عاجل: 238 ألف عائلة باش تستفيد من الدعم المدرسي غدوة... شكون المعنيين؟    بين البراءة ونقص الأدلة... شنوة الفرق؟    جلسة عمل بوزارة التشغيل حول تعزيز تمويل الشركات الأهلية    بوعرقوب: انتهاء موسم جني الكروم بنسبة 100%    ميلوني: نحن بحاجة إلى مزيد من الحكومات المحافظة في أوروبا    درجات الحرارة لهذا اليوم..    طقس الأحد: استقرار درجات الحرارة وأمطار منتظرة    عاجل/ غرق شقيقين في قنال مجردة وانتشال الجثتين..    محمد علي: ''الأسطول يقترب كل دقيقة من غزة.. أما أنتم؟ مجرد أصابع ملوثة على لوحة مفاتيح''    عبد الستّار عمامو يعود إلى "الدار الأم" ببرنامجين لتوثيق الذاكرة وإضاءة الوجوه المنسيّة    تفاصيل جديدة عن المذنب 3I/ATLAS تثير جدلاً علميًا    "تجردوا من ملابسهم".. مئات الإسبان يشاركون في عمل فني ل"مصور العراة" قرب غرناطة    الأستاذ خليل النغموشي رئيسا للفرع الجهوي للمحامين بجندوبة    ولاية سوسة: جلسة عمل لمتابعة وضعية شركة الألبان الصناعية بسيدي بوعلي    قريبا انطلاق أشغال مشروعي تهيئة الملعب البلدي بمنزل فارسي وصيانة المحولات الكهربائية بالملعب الاولمبي مصطفى بن جنات بالمنستير    الموساد تسلّل إلى معقلهه: الكشف عن تفاصيل اغتيال نصر الله    إدارة ترامب تلغي المسح الوطني السنوي للجوع    فيتنام بالمركز الأول في مسابقة إنترفيجن وقرغيزستان وقطر في المركزين الثاني والثالث    لجنة كسر الحصار عن غزة.. أسطول بحري جديد يبحر بتاريخ 24 سبتمبر من ايطاليا    بوعرقوب: انطلاق موسم الهندي الأملس    رابطة الأبطال ...الترجي بخبرة الكِبار والمنستير لاسعاد الأنصار    منوبة : انتشال جثتى شقيقين حاولا انقاذ كلبة من الغرق    كاس الكنفدرالية: الملعب التونسي يفوز على الجمعية الثقافية نواذيبو الموريتانية 2-صفر    تونس تشارك في بطولة العالم لألعاب القوى لحاملي الاعاقة بالهند من 26 سبتمبر الى 5 اكتوبر ب11 متسابقا    انخفاض في جرحى حوادث المرور    أولا وأخيرا... سعادتنا على ظهور الأمّهات    تونس ضيف شرف مهرجان بورسعيد السينمائي الدولي: درة زروق تهدي تكريمها إلى فلسطين    سيدي بوزيد...اجتماع لتدارس وضعية التزود بالأدوية بالمؤسسات الصحية    عاجل: إيقاف اكثر من 20 ''هبّاط'' في تونس    عاجل: شيرين عبد الوهاب أمام القضاء    جمال المدّاني: لا أعيش في القصور ونطلع في النقل الجماعي    عاجل: إنهيار سقف اسطبل يتسبب في وفاة شاب وإصابة آخر    كرة اليد: منتخب الصغريات يتأهل إلى نهائي بطولة افريقيا    التنس: تأهل معز الشرقي الى نهائي بطولة سان تروبيه للتحدي    بنزرت: تنفيذ اكثر من 80 عملية رقابية بجميع مداخل ومفترقات مدينة بنزرت وتوجيه وإعادة ضخ 22,6 طنا من الخضر والغلال    تحذير هام: تناول الباراسيتامول باستمرار يعرّضك لهذه الأمراض القاتلة    معاناة صامتة : نصف معيني مرضى الزهايمر في تونس يعانون من هذه الامراض    رابطة الأبطال الافريقية: الترجي الرياضي والاتحاد المنستيري من أجل قطع خطوة هامة نحو الدور الثاني    سليانة: وضع 8 ألاف و400 قنطار من البذور منذ بداية شهر سبتمبر    غدا الأحد: هذه المناطق من العالم على موعد مع كسوف جزئي للشمس    "يوتيوب" يحجب الحساب الرسمي لرئيس هذه الدولة.. #خبر_عاجل    عاجل/ بشائر الأمطار بداية من هذا الموعد..    بنزرت: حجز أطنان من اللحوم والمواد الغذائية المخزّنة في ظروف غير صحية    تكريم درة زروق في مهرجان بورسعيد السينمائي    عاجل/ بداية من الإثنين: صرف مساعدات ماليّة لفائدة هؤلاء..    لكلّ من فهم بالغالط: المغرب فرضت ''الفيزا'' على هؤلاء التوانسة فقط    الكاف: قافلة صحية تحت شعار "صحتك في قلبك"    أكثر من 100 ألف تونسي مصاب بالزهايمر ومئات الآلاف من العائلات تعاني    اليوم: استقرار حراري وأمطار محدودة بهذه المناطق    عاجل: تأخير وإلغاء رحلات جوية بسبب هجوم إلكتروني    لماذا يضعف الدينار رغم نموّ 3.2 بالمائة؟ قراءة معمّقة في تحليل العربي بن بوهالي    القيروان.. 7 مصابين في حادث مرور    استراحة «الويكاند»    عاجل/ البنك التونسي للتضامن: إجراءات جديدة لفائدة هؤلاء..    ما تفوتهاش: فضائل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة!    الرابطة المحترفة الاولى : حكام مباريات الجولة السابعة    وخالق الناس بخلق حسن    يا توانسة: آخر أيام الصيف قُربت.. تعرف على الموعد بالضبط!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحاليل الشروق: روح جديدة... في بيت العرب
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

كثيرة هي الأسباب والعوامل التي كانت تؤكد بأن قمة العرب بتونس سوف تكون بمثابة امتحان المصير.. وكثيرة هي النتائج والمؤشرات التي تؤكد الآن بأن بيت العرب قد خرج من هذا الامتحان الصعب وهو أكثر تماسكا وأكثر دفءا وهو ما بات يؤشر لمرحلة جديدة في تاريخ العلاقات العربية العربية وفي تاريخ العمل العربي المشترك.. مرحلة سوف تضع العرب على سكّة التطوير والتحديث وهي طريقنا الوحيدة إلى المستقبل العربي والى تأمين مكان لائق للعرب بين الأمم.. وقبل هذا وبعده فسوف يكتب التاريخ أن قمة تونس كانت قمة الجدية والرصانة وقمة استعادة مصداقية العرب التي اهترأت بفعل التجاذبات وطغيان الحسابات الأنانية الضيقة على المصلحة العليا للأمة وللشعوب العربية من المحيط الى الخليج.
* * *
هذا الحصاد الجيّد للقمّة لم ينزل من السماء، ولا عثر عليه العرب فجأة في وصفة جاهزة.. بل هو جاء نتاجا لفكر وهّاج وعقل رصين وطريقة عمل هادئة وعميقة لا تترك مجالا للصدف ولأسلوب عمل مدروس طبع أسلوب بن علي في التعاطي مع المسائل الداخلية والاقليمية والدولية.. وهذه عوامل اتحدت مع عبقرية المكان لتجعل من المحطة التونسية في تاريخ القمم العربية الطويل محطة مضيئة للنفوس وللدرو ب.. ومحطة التحول من واقع التردد والتخبط والضبابية الى واقع الثقة والتصميم ووضوح الرؤية.
وهذا الكلام يعيدنا تحديدا الى شهر مارس 2003 وقمة شرم الشيخ التي أحالت المشعل الى تونس كما ينص على ذلك الملحق الخاص بدورية انعقاد القمة سنويا والذي أضيف الى الميثاق في قمة بيروت.. في ذلك الوقت لم تسارع تونس الى اعلان استضافة القمة ولم تهلل أو تطبّل.. أولا لأنها تدرك جيد الادراك بأن القمة تكليف لا تشريف، وثانيا ليقينها بأن القمة ترتبط بالاعداد الجيد وبالمضمون الجيد وبالمحتوى الذي يرتقي الى مستوى التحديات وانتظارات الشعوب العربية.. وثالثا لإدراكها الكامل بأن تحولا جذريا يجب أن يطرأ على هياكل العمل العربي المشترك وعلى نظرة الدول لمفهوم التضامن العربي بشكل يضمن اتخاذ قرارات يتم الالتزام بها وتطبيقها وإلا فإن الجامعة العربية تصبح وعاء فضفاضا لا روح ولا مضمون فيه.. وتصبح القمة مجرّد لقاء بروتوكولي لتبادل المصافحات والقبل والخطب (وأشياء أخرى حفلت بها القمم العربية وآخرتها قمة شرم الشيخ)..
بهذه الروح الجديدة، وبهذه النظرة الثاقبة وبهذا التصميم على احداث منعرج في تاريخ العمل العربي المشترك باشرت القيادة التونسية إعداد العدّة وتمحيص كل صغيرة وكبيرة تخصّ أداء الجامعة وتهمّ حاضر العرب ومستقبلهم في سبيل بلورة رؤية شاملة تضع مضمونا للعمل العربي المشترك وتعيد الروح للبيت العربي والأول والثاني تآكلا بفعل الخلافات والتشرذم وأيضا بفعل انهيار الثقة والمصداقية في كل ما هو عربي.. وقد حرص رئيس الدولة شخصيا على تدقيق وتمحيص كل شيء.. وأشرك في هذه المهمة النبيلة لجنة وطنية فتحت الملفات وأعدت تشخيصا أوليا.
وامتدّ هذا الجهد في صمت وبعيدا عن الأضواء الى غاية فيفري الماضي.. وتخللته عدة لقاءات لرئيس الدولة مع الأمين العام لجامعة العرب وعدة مجالس وزارية خصصت لدراسة الملفات ووضع التصورات الملائمة التي تضمن الخروج بنتائج ايجابية وبقرارات تنفذ ولا تجد طريقها كالعادة الى الرفوف.. وعندما أعلنت تونس في 13 فيفري الماضي احتضانها للقمة في موعدها الأول (أواخر مارس الماضي) كان ذلك عنوان التزام كامل قطعته تونس ازاء قضايا الأمة وإزاء الشعوب العربية وإزاء العمل العربي المشترك، خاصة ونحن نعيش على رقعة تجاور ماردا اقتصاديا وسياسيا اسمه الاتحاد الأوروبي ما انفكّ يتوسع ليمتد من الأطلسي الى الأورال ولا يعقل أن نتمادى في واقع الفرقة والتشرذم والعالم يتوحّد من حولنا ويتشكل في فضاءات اقليمية وتجمعات اقتصادية كبرى..
* * *
ولأن العقلية العربية ألغت التعامل حتى مع القضايا الحارقة والمسائل المصيرية للأمة بنوع من السهولة التي هي للاستخفاف أقرب فإن بعضهم حاول تحويل هذا الاستثناء الى قاعدة.. قاعدة تسري على قمة تونس فتحوّلها الى مجرّد «مهرجان» عربي نلتقي فيه لنتبادل المصافحات والقبل الصفراء ونتباكى قليلا على ضعف الأمة ونستعرض عجزها أمام غطرسة الاعداء وانخرام موازين القوى لصالحهم ثم يعود كل قائد الى عاصمته «فرحا مسرورا».. لتتلقى الشعوب العربية جرعات يأس جديدة تزيدها احباطا على احباطها ليتلقى العمل العربي المشترك ضربات اضافية في الصميم وليبقى العرب على هامش التحولات العاصفة التي تجري في العالم والتي توشك بأن تصوغ مستقبلنا في غيابنا..
لأجل ذلك فشلت اجتماعات مجلس الجامعة في مطلع مارس الماضي في صياغة مضمون للقمة وفي وضع تصور لرؤية مشتركة يجتمع العرب حولها ويمكنهم من اتخاذ مواقف الحد الأدنى بخصوص قضايا فلسطين والعراق والاصلاحات الواجب اعتمادها عربيا لتطوير وتحديث المجتمعات العربية. وقد تواصل هذا اللغط حتى في الاجتماعات التحضيرية للقمة في موعدها الأول حيث غرق وزراء الخارجية طيلة يومين في مسائل ثانوية وهامشية ليتم التطرق الى القضايا الجوهرية مساء اليوم الثاني والأخير وقبل ساعات من تدفق القادة العرب الى تونس.. عند هذه النقطة جاءت رجّة التأجيل التي أحدثت الصّدمة اللازمة ووضعت العرب طيلة 7 أسابيع أمام المرآة في مواجهة قضاياهم ومشاكلهم الحقيقية.. وهو ما جعلهم يأتون الى تونس في موعد القمة الجديد وقد أيقنوا أن العيب في أصل الصورة وليس في المرأة.. وأنه لا مفرّ من اصلاح أصل الصورة اذا كانوا يريدون رؤية انعكاس جيد في المرآة.
* * *
وبالفعل فقد جاء الحصاد من قبيل الزرع.. حيث أثمر الاسلوب التونسي المرتكز علي الحكمة والعقلانية والذي يتخذ من الوسطية والاعتدال والجدية وسيلة في صيانة البيت العربي أولا وفي اتخاذ مواقف توفر الحد الأدنى المطلوب في قضيتي فلسطين والعراق وتضع سقفا لمسيرة التحديث والتطوير في الدول العربية بما يجعلها تتكلم لغة العصر ممثلة في المفاهيم والمبادئ الكونية من قبيل دعم الديمقراطية والتعددية والحريات السياسية وحقوق المرأة.. هذا علاوة على بلورة استراتيجية عربية لمقاومة الفقر ودعم التكامل الاقتصادي العربي وتفعيل التضامن الحقيقي بين الدول النفطية والدول الفقيرة لدعم جهود التنمية.
وبالمحصلة فإن الحديث بات ممكنا عن منعرج في سجل القمم العربية.. وعن قمة تاريخية أخرجت العمل العربي المشترك والتضامن العربي وجامعة العرب كهيكل عربي موحد من بيت الانعاش.. وزادت بأن صالحت العرب مع روح العصر من خلال بلورة مفهوم عربي للمبادئ الكونية.. مفهوم يفضي الى التطوير والتحديث والى تفعيل دور المواطن العربي ودعم مشاركته في تسيير شؤونه اليومية، يحفظ بالمقابل الهوية العربية ويوقف محاولات التدخل في الشؤون الداخلية للدول وهي محاولات جعلت البعض يركبون قيم الاصلاحات السياسية والديمقراطية ويتخذونها مطية لتذويبنا في ما يسمونه «الشرق الأوسط الكبير»..
وحين يسمع العرب صوتهم في قضيتي فلسطين والعراق.. وحين يضعون وصفة للاصلاح من الداخل.. وحين يرسمون خطط اصلاح منظومة العمل العربي المشترك ويضبطون لذلك رزنامة محددة.. حين يحدث كل هذا يصبح الحديث جائزا عن قمة تاريخية ويصبح النجاح من قبيل تحصيل الحاصل.. وكذلك كانت قمة تونس، وكذلك دوّن توصيفها في سجل القمم العربية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.