الاتحادات الجهوية للشغل تجتمع للتعبئة استعدادا لمسيرة 21 أوت..#خبر_عاجل    مدينة العلوم تنظم مهرجان عقارب للعلوم من 6 إلى 8 سبتمبر الجاري    نابل: انتهاء موسم جني وتحويل الطماطم بإنتاج حوالي 260 ألف طن    غليان في السويداء.. مظاهرات تدعو للقطيعة مع دمشق وفتح معبر نحو القنيطرة    فرنسا تندد بمشروع E1 الإسرائيلي في الضفة الغربية    عاجل/ اعلاها 35 مم بهذه المعتمدية: كميات الأمطار المسجلة اليوم السبت..    تواصل تهاطل الأمطار الغزيرة بهذه الجهات وتحذير من السباحة    توزر: إعطاء إشارة انطلاق أشغال تهيئة وصيانة مبيت المدرسة الإعدادية بتمغزة    كاتب مصري: أفيقوا من غيبوبة السلام "إسرائيل" تجاوزت الحدود    لكسر الحصار على غزة: أسطول الصمود المغاربي ينطلق من تونس يوم 4 سبتمبر…    اعلامي سعودي يفاجئ رونالدو بهذه الهدية الغريبة    عاجل/ جمعية القضاة تدعو إلى الإفراج عن المسعودي..    ناج من حادث الجزائر يروي لحظات الرعب : تفاصيل صادمة    حجز 4 محركات ضخ وقوارير غاز منزلية بمنطقة الزقب بأوتيك..    كرة اليد: جناح الترجي يمضي للنجم الساحلي    القصرين: أعوان شركة عجين الحلفاء والورق يعيدون تشغيل معدات معطّلة منذ سنوات رغم الصعوبات المالية    قبلي: حجز 7 أجهزة تكييف فردي خلال حملة رقابية مشتركة    تونس تحقق أربع ذهبيات: وفاء المسغوني تتألق في وزن -62 كغ    عاجل بالفيديو: أمطار رعدية في حمام الأغزاز من ولاية نابل...توخي الحذر مطلوب    بنزرت تشدد: إجبارية رخصة سياقة صنف أأ لمستعملي الدراجات النارية الصغيرة والمتوسطة    عندما تسحر "الزيارة" جمهور مهرجان صفاقس الدولي    احذر.. النوم المفرط قد يدمّر صحتك بدل أن يحسّنها!    طقس الويكاند: ينجم يخلي ''العومان'' ممكن؟    المرصد الوطني للمناخ يُحذّر...نابل، سوسة، المنستير وزغوان الأكثر تأثراً بحالة عدم الاستقرار    عاجل/ نواب بالبرلمان يقررون مقاضاة هؤلاء المسؤولين..    الرابطة الأولى: تشكيلة النادي البنزرتي في مواجهة النادي الصفاقسي    علاش ''اللبن الرائب'' حاجة باهية لصحة الجسم في الصيف؟    تصل إلى 40 مم: أمطار أحيانا غزيرة بهذه المناطق بعد الظهر    الرابطة الأولى: تشكيلة النجم الساحلي في مواجهة النادي الإفريقي    وزارة الصحّة تدفع نحو تطوير الطب النووي وتحقيق الاكتفاء الدوائي    أمل حمام سوسة يعزز صفوفه باللاعب فادي سليمان    مونديال الكرة الطائرة لأقل من 21 سنة: تونس تنهي مشاركتها في المركز 22    عاجل/ حادث مرور مروع بهذه الطريق..وهذه حصيلة الضحايا..    اتحاد تطاوين يتعاقد مع اللاعب ريان القديري    عاجل: قمة بوتين وترامب بألاسكا.. محادثات مثمرة بلا أي اتفاق رسمي    حملة وطنية لمراقبة ''الكليماتيزورات'' تسفر عن حجز آلاف الوحدات غير المطابقة...شنيا لحكاية؟    قيس سعيّد: لا تسامح في الفساد ولا تراجع عن المحاسبة    تركيا.. إيقاف 42 شخصا في إطار تحقيقات فساد ببلدية إسطنبول الكبرى..#خبر_عاجل    فظيع/ مقتل إمرأة واصابة زوجها وابنها خلال معركة..!    دراسة تحذّر من ظاهرة صحية خطيرة مرتبطة بعطل نهاية الأسبوع    عاجل: نزل البحيرة، رمز تونس المعماري، يواجه الهدم    بالمناسبة: صوفية قامة وطنية    في حفل بمهرجان سوسة الدولي : بين الجمهور وزياد غرسة علاقة وفاء دائمة    بسبب مواقفه الداعمة للكيان الصهيوني...إلغاء حفل فنان جامييكي بقرطاج وتعويضه بفيلم للفاضل الجزيري    تاريخ الخيانات السياسية (47) ..وزراء و أمراء زمن الخلافة العباسية يحتكرون السلع    الحملة الوطنية لمراقبة أجهزة تكييف الهواء الفردية تفضي الى حجز أكثر من 3380 مكيف هواء وتسجيل 146 مخالفة    حجز أكثر من 3380 مكيفا غير مطابق للشروط الفنية    الفنان صابر الرباعي يختتم مهرجان المنستير الدولي    الليلة: أمطار بهذه المناطق والحرارة تتراوح بين 22 و32 درجة    وزارة التربية تدعو القيمين العامين المعنيين بحركة النقل إلى الإطلاع على المراكز المعنية بالحركة    عاجل/ كارثة طبية..مسكّن ألم ملوّث يُودي بحياة 96 مريضا..!    وزارة الاسرة تنظم باليابان فعالية للتعريف بأبز محطات الفعل النسائي على امتداد مختلف الحقبات التاريخية    عاجل: أحلام الإماراتية توضح للتونسيين حقيقة أجرها في مهرجان قرطاج    الرّهان على الثقافة    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    خطبة الجمعة...التوسّط في الإنفاق ونبذ الإسراف والتبذير    عاجل : فلكيا...موعد عطلة المولد النبوي الشريف 2025 للقطاعين العام و الخاص    هام/ عطلة بيوم بمناسبة المولد النبوي الشريف..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إلى روح الراعي مبروك السلطاني :الغربان بيننا وفينا !
نشر في الشروق يوم 26 - 11 - 2015

يمر وقتنا، نحن رعاة الأغنام، هادئا خاليا من أي ضجيج وباستطاعتنا ان نطالع ونفكر ونلهو ونحن نختلي بأنفسنا في تلك المراعي. لا نعلم بالضبط ماذا كان رفيقنا مبروك السلطاني يفعل في ذلك اليوم البائس وهو يتبع معزاته القليلة في المرعى بجبل المغيلة. كان برفقته راع صغير وحتما كانا يتحدثان عن مغامراتهما في الجبل او كانا يلعبان او ربّما كانا يتحدثان عن أحلامهما المستقبلية.
هكذا كنّا نفعل حين يرسلنا الأهالي للرعي. كنّا نتحدث عن أحلامنا الكثيرة وعن أمانينا التي قد لا تتحقق. أذكر ان احد رفاقي في المرعى قال لي مرة "وكان جا عندي فلوس نشري برميل ياغرت". كانت أحلامنا لا تتجاوز هذا السقف. نحلم بالدفيء. نحلم بأشياء لذيذة تملأ بطوننا الخاوية. نحلم بامتلاكك كرة نركلها ونحن نجري في المرعى. نحلم بثياب دافئة نتدثر بها وبأحذية لا تؤلم اقدامنا.
أذكر أيضا يوم قالت لي رفيقتي في الرعي "كان جا عندي فلوس نعطي كل عايلة شكارة سميد". هكذا نحن إذن نحذق التآزر ونفكر بغيرنا في وقت الضيق.
الفراش الذي غادره مبروك السلطاني صباحا والذي عرضته نشرات الأنباء الرئيسية في القنوات التلفزية وتكرر بث صورته في أكثر من برنامج حواري يؤكّد أن رفيقنا مبروك لم يخرج عن أحلامنا القديمة. كان يتحدث لرفيقه عن حلمه بفراش جديد ربّما. أو قد يكون في ذلك الصباح البائس الذي حلّق فيه غربان الجبل على رأسه يسرد على مسامع رفيقه الأوجاع التي هلكت عظامه وهو يتمرغ فوق فراشه البائس.
كنّا في المراعي نتعاند حول من يحصل على المرتبة الاولى في قسمه الدراسي لأننا كنّا نحلم بحيازة مناصب نُنِير بها وجه القرية وكنّا عن غير قصد نعرف أن شمس اليوم التالي ستكون أجمل حين نجتهد ونضمن مستقبلا كثر أمانا ممّا نحن فيه. لذلك كنّا حين نعود منهكين من المراعي نندسّ في مقاعدنا التي صنعناها في زوايا المنزل نراجع دروسنا على ضوء الشموع أو "الفتيلة". ولمن لا يعرف "الفتيلة" هي قطعة قماش رقيقة نضعها في وعاء فيه زيت ونشعلها فتُصدر نورا خافتا ينير المكان حتّى الصباح وتصدر أيضا دخانا أسود تبرز آثاره على أنوفنا عند الصباح. ولمن لا يعرف أيضا كنّا نصنع من الأواني البلاستيكية وأساسا "البيدون" كرسيا ونضع فوقه جلد الخروف فنحصل على مقاعد وثيرة دافئة نجلس عليها إلى طاولات صنعناها من بقايا الخشب.
لم يشاركنا رفيقنا مبروك السلطاني هذا الحلم فهو غادر مقاعد الدراسة وامتهن الرعي بشكل نهائي. ولا نعلم ماهي أحلامه الجديدة التي كان ربّما يسرّ بها لرفيقه الصغير في ذلك الجبل الموحش صبيحة ذلك اليوم المشؤوم. قد يكون مبروك خطّط لمستقبل أكثر أمانا مثلا كَأَنْ ينضمّ إلى قوافل مهربي البنزين فتهريب البنزين مهنة للمعدمين في قرانا.
كنّا في المراعي نتبع خطى "الڤوبعة" وهو عصفور يبني عشه في الأرض لنحصل على بيضها. وكنّا ننصب "المنداف" في "الڤاعة" (وهو المكان المخصص لتجميع سنابل القمح والشعير لتهريسها) لصيد العصافير. كنّا نتدبّر الحيل ونسد جوعنا يحيلنا الصغيرة وأفكارنا الكبيرة. كنّا لا نيأس أبدا. كنّا صبورين إلى أبعد ما يتوقعه قارئ هذه الكلمات. كنّا لا نذبل ونقتنع دوما بأن الآتي أفضل. هكذا كان مبروك السلطاني واحدا منّا رفيقا لنا في الصبر وانتظار صباح أجمل يكون له لا عليه.
مات رفيقنا مبروك السلطاني غدرا في المرعى. واجبر رفيقنا الصغير على متابعة عمليّة ذبحه ثمّ حمل رأسه المقطوع معه وعاد للقرية. هل ثمّة موقف أكثر بشاعة من هذا الموقف؟ قُتِل رفيقنا مبروك السلطاني مرة مرة حين مات رفيقنا مبروك السلطاني مُلْقيا بالتهمة على عاتق الدولة فالدولة يبدو أنها ترتجل في تعاملها مع الإرهابيين وهي لا تمتلك فعلا إستراتيجية واضحة في التصدي للإرهابيين أو هي لا تقدّر فعلا إمكانيات عدوّها الذي افتك منّا المراعي في الجبل والمناطق المحاذية. أعيدوا لنا المراعي واستيقظوا يا وطنيون فبعد المراعي سيفتك الإرهابيون مدارسنا ويقتلوا ما تبقى فينا من أحلام !


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.