نحت مشوار رياضي ليس بالأمر السهل بل يتطلب شروطا ومواصفات اذا ما لم تتوفر كان الخروج من الباب الصغير ان لم يكن من النافذة. والمشهد الرياضي في انديتنا يزخر بأمثلة للاعبين كان بامكانهم التحليق عاليا في سماء الكرة التونسية لولا بعض العوامل الذاتية والموضوعية. تعج فعلا كرتنا باللاعبين الذين كان ينتظر منهم الجمهور ان يكون لهم شأن في المستقبل. ولو نحن رمنا تقسيم العوامل التي حالت دون ذلك لوجدنا ها على النحو التالي: *العامل الاخلاقي عديدون هم اللاعبون الذين ذهبوا ضحية عدم انضباطهم فلم يصمدوا امام الاغراءات المتنوعة وفضلوا التلاعب بمستقبلهم الكروي ونذكر في هذا الباب رضا الهمامي ونجيب الجويني وسفيان الشارني ولسعد الورتاني والبشير المقعدي ومعين الشعباني وامير المقدمي واسامة السلامي في الوقت الحالي ومنذ بضع سنوات فقظ مازال الرياضيون يتذكرون مهاجم النادي الافريقي الهادي دع الذي ودع الملاعب باكرا رغم ما كان يتمتع به من امكانات فنية جعلت نجم النادي الافريقي السابعة الطاهر الشايبي يقول: «لو سألوني من خليفتي لقلت انه الهادي دع» كل هؤلاء لئن نعيب عليهم تصرفاتهم المشينة لا يجب تحميلهم المسؤولية لوحدهم بل الاندية لها قسط وافر في ذلك غياب التأطير الكافي وهذا العامل جعل بعضهم يودع الملاعب بصفة مبكرة فيما تم «انقاذ» البعض الآخر ولو لحين. *عامل بدني فئة من اللاعبين لم تتسلق سلم الشهرة لا لشيء سوى لأن مؤهلاتهم البدنية لم تتأقلم مع نسق البطولة ولعل الاسم الأكثر التصاقا بالذاكرة في هذا المجال الجوهرة السوداء للترجي الرياضي التونسي العيادي الحمروني الذي انهى مشواره مع فريق باب سويقة قبل الآونة مما جعله يحط الرحال في الملعب القابسي. والعارفون بالمسائل الطبية يقولون ان ما حدث لهذا اللاعب ناجم عن الضعف الذي يعانيه من الناحية البدنية بسبب نقص في التكوين البدني في فريقه الاصلي وهو شبيبة وذرف وهي مسألة تنسحب على عدة لاعبين آخرين امثاله. ومقابل ذلك، فإن بعض اللاعبين الآخرين القادمين من اندية صغرى قاوموا هذا العائق بالانضباط وروح البذل والعطاء ولعل خير مثال نذكره في هذا الباب اللاعب طارق ثابت القادم من نفس وجهة الحمروني والذي تمتع طيلة حياته الكروية بالأخلاق والاخلاص لعمله. *غياب الطموح فئة أخرى من اللاعبين وقف بها القطار في منتصف الطريق بسبب غياب الطموح لديها ونذكر من بينها مراد مجدوب اللاعب السابق لمستقبل المرسى وصبري المحمدي لاعب الاولمبي الباجي ومحمد علي بن يعقوب (الملعب التونسي) وسليم التونسي (الملعب التونسي) وعزيز الخويني (النادي الافريقي) وغيرهم... *استنتاجات وبالتأمل في هذه القوائم نخرج بعدة استنتاجات لعل اهمها ان تدني مستوى كرتنا لم يكن فقط بسبب ازمة التسيير وغياب ملاعب الاحياء بل الى عوامل اخرى وهي التي ذكرناها وهو ما يعني ضمنيا ان انديتنا في حاجة ماسة الى مؤطرين من الناحية النفسانية للاعبين حتى لا يزيغوا عن الطريق السوي ويصمدوا امام كل ما من شأنه ان يلهيهم عن التفكير في مستقبلهم الكروي. ويبدو ان بعض الفرق مثل النادي الافريقي ادركت اهمية هذا الجانب فقامت بانتداب مختصين في هذا المجال مثل الدكتور البشير جباس ومانأمله هو ان تنسج بقية الاندية على نفس المنوال. *ماذا يقول الدكتور محمود باشا؟ فعلا هناك عدة لاعبين لم يتمكنوا من النجاح في مشوارهم الرياضي رغم ما يتمتعون به من مؤهلات فنية. والحقيقة ان اسبابا عديدة وراء ذلك. فمثلا هناك من يأتي الى ناد كبير من ناد صغير ونظرا لأن تكوينهم منذ صنف الشبان لم يكن على اسس صحيحة فإنهم يعجزون عن مواكبة نسق ناديهم الجديد حيث لا يجدون من يؤطرهم ويهيئهم نفسانيا للاندماج في الحياة الجديدة التي يكتشفونها. فخذ مثلا لاعبا مغمورا كان يتحصل على 30د كمنحة انتصار وعند تحوّله الى ناد كبير ترتفع هذه المنحة الى 800د فمن الطبيعي ان يتغير سلوكه لا سيما ان الأندية مقصرة من ناحية تأطير لاعبيها واحاطتهم نفسانيا. وبصفة عامة فإن الظاهرة الطاغية في انديتنا هي الدلال وما نلاحظه ان لاعبينا اساؤوا فهم نظام اللاهواية حيث تمسكوا بالحقوق وتناسوا الواجبات.. *رأي اختصاصي في علم النفس حول هذه الظاهرة اتصلنا بأحد المختصين في علم النفس وهو الدكتور سعيد المازني فأجاب: «ما يحصل لبعض اللاعبين انهم يصطدمون بواقع جديد يختلف تماما عما عاشوه في السابق. فينجم عن ذلك ما يسمى في علم النفس بالانبهار Eblouissment الذي ينجم عنه رغبة في التمرد من اجل ارضاء النفس. كما ان هؤلاء يكونون عرضة للانجذاب الى نمط عيش حرموا منه فلا يملكون الا الانغماس فيه غير آبهين بالعواقب السيئة التي تنتظرهم. هؤلاء اللاعبون عندما ينتقلون الى اندية أخرى اكثر عراقة وعندما يحتكون ببهرج وأضواء العالم الجديد الذي يكتشفونه يعتقدون انهم تحرروا من كل الضوابط والقيود الاجتماعية فيطلقوا العنان لتصرفات عادة ما تكون شاذة. وما يميّز هذا الصنف من اللاعبين انهم يميلون الى اغتنام ادنى فرصة تتاح لهم لتلبية حاجياتهم ورغباتهم وتأجيل النظر في المستقبل. الى وقت آخر.