المرة الأولى التي تتسرب فيها معلومات تفصيلية عن البرنامج النووي الاسرائيلي كانت على يد «فانونو»... وبالتحديد في أكتوبر من عام 1986 عندما نشرت جريدة «الصانداي تايمز» المعلومات التي قدمها لهم والصور التي التقطها من داخل مفاعل ديمونة الإسرائيلي ووقتها تم تصنيف اسرائيل على أنها سادس قوة نووية في العالم ويرى عدد من الخبراء أنه وفقا للمعلومات التي قالها فانونو فإن اسرائيل تمتلك اليوم نحو 200 قنبلة نووية. وما زالت اسرائيل وحتى اليوم تتبنى سياسة «الغموض البناء» التي أكد شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي قبل أيام استمرار تبني اسرائيل لها لما لها من فوائد ايجابية على المستويين الاقليمي والعالمي، وعلى الرغم من أن العالم كله على قناعة وثقة من امتلاك اسرائيل للسلاح النووي إلا أنها بعيدة تماما عن الرقابة الدولية لعدم توقيعها على معاهدة حظر الانتشار النووي التي وقع عليها كل جيرانها في المنطقة... أي الدول العربية كما راح العراق ضحية الاحتلال لمحاولته تطوير برامجه النووية!! ومع اطلاق سراح موردخاي فانونو في أفريل الماضي بعد 18 عاما قضاها في السجن متهما بالخيانة والجاسوسية لكشفه أسرار البرنامج النووي الإسرائيلي... وبعد ايقاف اسرائيل الصحافي البريطاني الذي نشر الأسرار التي كشفها فانونو... تعيد «الشروق» فتح الملف المتجدد حول السلاح النووي الإسرائيلي... وكيف يتم ردعه... وهل يكون ذلك بامتلاك العرب لسلاح مماثل... وكيف يمكن العمل على اخضاع برنامجها للرقابة الدولية...وماذا يحول دون ذلك؟! من جانبه يضع الدكتور أحمد عبد الونيس الأستاذ بجامعة القاهرة ورئيس منتدى القانون الدولي بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية الاطار العام لهذه القضية فيقول إنه من المطلوب أن تشمل عملية اخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل اسرائيل على خلفية المعلومات التي تؤكد امتلاكها نحو 200 رأس نووي بل وأن تتعدى عملية الاخلاء تلك كافة أنحاء العالم. وتفعيل الاتفاقيات الدولية لمنع استخدام السلاح النووي خاصة وأن موقف الدول الموقعة على اتفاقيات حظر انتشار السلاح النووي مختلف عن تلك التي لم توقعها وهو ما يجعل الأممالمتحدة قد تم تفريغها من مضمونها الذي يقوم على الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، كما أن القانون الدولي بلا قوة غير مجد والعكس صحيح. التوازن التكنولوجي وعلى خلفية التقدم التكنولوجي يدعو الدكتور فوزي حماد الرئيس الأسبق لهيئة الطاقة الذرية المصرية الى العمل على احداث نوع من التقدم التكنولوجي النووي بما يؤدي الى احداث نوع من التوازن بين القوى العربية واسرائيل، وقال ان ذلك التقدم بدعوى البحث في المعامل الصغيرة الى وجود برامج نووية وقواعد البيانات والعلوم النووية. كما يدعو كذلك الى تشجيع قيام الدول العربية باستخدام المفاعلات الصغيرة في المجالات السلمية مثل تحلية المياه وتوليد الكهرباء مشيرا الى إن كل الدول العربية منضمة الى اتفاقية حظر انتشار السلاح النووي وأن هناك دولتان فقط لديهما مفاعلات هما مصر التي تمتلك مفاعلين والجزائر التي لديها مفاعل واحد فقط. أما في المقابل فيرى الخبير الاستراتيجي عادل سليمان أن هناك فرقا كبيرا بين امتلاك دولة للتكنولوجيا النووية من أجل التقدم العلمي والاستخدامات السلمية، وبين قيام دولة أخرى باستخدامها من أجل انتاج السلاح النووي، ويؤكد سليمان أن امتلاك اسرائيل للقنبلة النووية هدفه ردع العالم العربي وجاء ذلك على خلفية نجاحها منذ منتصف الخمسينات في اقناع الولاياتالمتحدة وأوروبا بأنها دولة صغيرة محاطة بدول تهددها بالتدمير بما برر لها اللجوء الى السلاح النووي من خلال تصيد أخطاء العالم العربي. ويترتب عن ذلك أن الطرح العربي لتخلي اسرائيل عن ذلك السلاح لن يكون مثمرا إلا عند اقرار العرب بالسلام معها بحيث لا يكون لديها ذريعة أو حجة لامتلاكها السلاح النووي. السلام الصعب ويختلف معه أيضا في هذه الرؤية السفير عبد الرؤوف الريدي سفير مصر الأسبق في واشنطن ويقول إن حالة عدم التوازن بين اسرائيل والدول العربية يجعل من استقرار السلام أمرا صعبا بمكان ويشير الى أن ترويج اسرائيل لمقولة أنها كيان صغير وسط بحر من الكراهية العربية يراد منه تكريس انفرادها بهذا السلاح المدمر في الوقت الذي تراجعت عنه الدول العربية ويعد نوعا من الخداع يجب على العالم العربي مواجهته من خلال تحرك جماعي واع للرأي العام العالمي والاسرائيلي في نفس الوقت. ويكون ذلك على خلفية ان امتلاك هذا السلاح لم يوفر الأمن للإسرائيليين خاصة مع وجود قطاع كبير بين الشعب الإسرائيلي يرى أن هناك خطورة كبيرة في المفاعلات الإسرائيلية. المسؤولية عربية ويقدم الكاتب والمحلل سلامة أحمد سلامة صورة شاملة للوضعين العربي والاسرائيلي ويقول إن العرب غارقون حتى آذانهم في المسؤولية عن حالة البؤس الراهنة التي هم عليها، وأن المشكلة تكمن في أن الأمة العربية لا تريد أن تدفع تكاليف القوة والمنعة وتئن حين تضطر لدفع تكاليف الضعف والاستخزاء. ويشير سلامة الى أن النظام الدولي أقيم على أساس موازين قوى نووية عالمية تسابقت أطرافها في حقبة سابقة لم يجر تقنين وضعها إلا بعد اغلاق النادي النووي على الدول الخمس الكبرى من خلال ضبط وحظر الانتشار النووي ويلفت الانتباه الى أن هناك دولا بعيدة النظر تتعرض لصراعات تاريخية مصيرية مثل الهند وباكستان واسرائيل أدركت أن قبولها الطوعي بالخضوع لاتفاقيات الحظر النووي سوف يحرمها من أي قدرات سلمية أو غير سلمية سيجعلها خاضعة للإبتزاز الدائم الذي لا يمكن اتقاء شروره فقاومت كل الضغوط ونجحت في أن تحصل على وضع يشبه وضع الدول الكبرى لدرجة أنه لم يعد هنا أحد يتحدث عنها الآن، وفي المقابل تخلت الدول العربية مبكرا عن برامجها النووية وكانت النتيجة أنها تشكو حاليا من النظام الدولي الظالم وازدواجية المعايير في التعامل مع اسرائيل.