طرح اللقاء الفكري الذي نظّمه اول امس مركز البحوث والدراسات والتوثيق والاعلام حول المرأة (الكريديف) عدة مسائل على صلة بجوانب مهمة في حياة الاسرة التونسية الحديثة من حيث طبيعة العلاقات التي تدور في فلكها وبين رحابها ونوعية التفاعلات بين كل المكوّنات الاسرية، وتوقف المشاركون في اللقاء على اهم المعوقات والسلبيات التي تطبع العلاقات داخل الاسرة التونسية الحديثة. تغطية: خالد الحداد انطلاقا من نظرية التحليل التفاعلي للمعالج النفسي «ايريك بارن» اقام الدكتور محمد بن عمار الاستاذ في علم النفس السريري مقاربة نفسية للعلاقات داخل الاسرة وتوقف الدكتور عند اهم التفاعلات التي تحدث من خلال عدد من العيادات النفسية التي اشرف عليها والتي مكّنته من التأكيد على ان فهم آلية التفاعل داخل الاسرة (من خلال دراسة الحالات) هو باب مؤكد للتعبير الصحيح عن واقع العلاقات الاجتماعية ككل. وأشار المحاضر الى ان كل النظريات تعطي اهمية للسنوات الست الاولى من حياة الانسان وهي السنوات التي تكون عبارة عن تسجيلات خارجية يتلقاها الطفل وتصبح بالنسبة اليه من المسائل والقيم التي لا يمكن ان تتغيّر. واضاف الدكتور بن عمار انه بداية من المرحلة العمرية الثانية يشتغل الفرد ويبدأ في التفكير والتسجيل المنطقي ويوجد لديه شبه بحث عن توازن المعلومات ووضع كل ذلك تحت المحك قبل ان يمر الى مرحلة اشباع الحاجيات والأحاسيس وفق مبدأ اللذة بالاساس. ويقيم المتحدث تفرقة في نوعية الاولياء الذين نقابلهم في حياتنا اليومية بين ولي قاس يقطع عملية التفكير عن ابنه ويولّد فيه إما سلوكات ثائرة او خضوع مذل ومهين ويرى الدكتور بن عمار ان الخاضع منذ طفولته لا يكون قادرا على بناء علاقات على الاطلاق... ووليّ ليّن يتصف بالتلقائىة ويساعد على توفير اجواء للحوارات والانفتاح وبناء العلاقات على اسس معقولة. حوارات ويرى الدكتور بن عمار ان الحوارات في داخل المحيط الاسري التونسي خاصة في ثنائية (الأب الأم) تتصف بالأحكام المسبقة والاعتباطية ومرات بعدم المنطقية في حين ان جزءا كبيرا من علاقات (الولي الابن) تطرح عدة اسئلة مهمة من اجل ايجاد الحلول والتحليل المنطقي من ذلك انه لابدّ من التساؤل عما اذا كان الاطفال يشعرون فعلا بالطمأنينة والأمن؟ وهل ان البيت هو فضاء يستطيع فيه الابن ان ينمو بصفة طبيعية؟ وقال... بعض الآباء يعتمدون على الحوارات القاسية التي يكون لها تأثير كبير على قدرة الطفل وتقبله وفهمه وتنتج طفلا خاضعا نتيجة الحوار الأصم الذي ليس له اي معنى ويكون عادة مبنيا على التعاسة والضغوط النفسية القاسية. وأضاف: ان تلك علاقة غير سليمة وغير مفيدة بالمرة. وشدد المحاضر على اهمية تعزيز الحوارات المبنية على التفاعل الايجابي والمتوازن من اجل الحصول على اجابات ناضجة وتعزيز التواصل. ازواج وأقام الدكتور بن عمار الدليل من خلال العيادات النفسية التي يجريها على ان الزوجة عادة ما تقبل الحوار امام المعالج النفساني في حين يرفض الزوج ذلك وقال: الزوجة اكثر قدرة على فهم ديناميكية حركتها وعقلنتها.. وتساءل الباحث عن الاسباب التي تدفعنا الى فقدان المرونة الكافية في التعامل والحوار المنطقي وألح على اهمية ايلاء الجانب العاطفي منزلته وقال: ان الادمان على الكحول متأت من غياب المنطق والعودة الى منطق الاحاسيس هي شخصية مدمنة على الكحول نظرا للضغوطات التي تتعرض لها. وتوصّل الدكتور بن عمار الى بيان ان قواعد التواصل علامة من علامات التوازن النفسي واضاف: «الحياة ليس لها معنى الا بعلاقات التواصل العاطفي..». ثقافة أسرية وتطرّقت الدكتورة زينب صمندي الباحثة بمركز البحوث والدراسات الاقتصادية والاجتماعية الى المنطق الذي تحتكم اليه حركة العلاقات الاسرية وبحثت في طبيعة الثقافة التي تمتلكها الاسرة التونسية اليوم، وتساءلت الباحثة عن التغيّرات الاجتماعية الكثيفة التي احاطت بالعائلة التقليدية ورأت ان هذه التغيّرات قد اتت على خلفية تحدّي التقاليد وقالت ان القانون اتى ليعاضد هذا التبدل تحت عنوان : «تحديث الاسرة» واشارت المتحدثة الى ان الروابط الاسرية اضحت روابط قانونية اكثر منها روابط عاطفية وان نمط الاسرة اليوم هو بمثابة: الدولة الدستورية، وأتت المتحدثة على تفصيل تداعيات تلك التغيّرات على المشهد الاسري من حيث طبيعة الادوار المحددة لكل طرف والمساواة بين الجنسين. وقالت: القوانين اذا لم توجد التفاهم فهي لا يمكنها ان تلغي الخلافات. وتحدّثت الدكتورة صمندي عما نتج عن كل ذلك من خلافات حول الشؤون والمهام المنزلية بين الأم والاب وبين الابناء (بنات/اولاد) وقالت: ان النظرة الى الطفل لم تعد تعبّر عن مشروع ناجح بل انها اصبحت محل مساومة وينظر اليها من ناحية اثقال كاهل الاسرة والضرر بميزانيتها اكثر من اي شيء آخر. وانتهت الدكتورة الى القول بأن الثقافة التي تمتلكها الاسرة التونسية اليومية قائمة على النزعة الفردية ومرات عن التصرّف عن بعد في فض المشاكل وتصريف الشؤون العائلية (الهاتف مثلا) بالاضافة الى البعد الاقتصادي (الاستهلاك والميزانيات) وقالت الباحثة: الاموال مركز ثقل في هذه العلاقات. وأشارت الباحثة الى ان العائلة التونسية برغم توجهها نحو الحداثة فقد حافظت على هويتها وجزء من تقاليدها وخصوصياتها الثقافية (رمضان مثلا). إعادة ترتيب ويرى الدكتور حبيب الدرويش استاذ علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الانسانية بصفاقس ان الاهتمام بإعادة ترتيب الادوار داخل الاسرة ترتّب عن التحولات الهامة التي عرفها المجتمع التونسي وقال ان ذلك اتى بشكل متأخر وتساءل المتحدث ما اذا كان يكفي من الناحية السوسيولوجية ان ننظر فقط الى الارقام والتشريعات لفهم وضع الاسرة التونسية وبيان تطوّرها. وقال: «لابدّ من النفاذ الى حقل الممارسة والحراك اليومي لفهم الاسرة كما هي»... وأشار الباحث الى ان الاسرة التونسية وجدت نفسها في بداية الثمانينات في وضعية ارتباك نتيجة دعوة الدولة الى تحميل شرائح المجتمع والعائلة الى معاضدة دور الدولة والتخلي عن سلوك الاتكالية. ويرى الدكتور ان 3 مؤشرات لعبت دورا في تغيير صورة الاسرة في المجتمع التونسي الحديث: السلوك الانجابي: المرأة صارت قادرة على التخطيط لحياتها الاسرية. تعميم التعليم واجباريته للجنسين: اكتسحت المرأة مجالات اسرية واجتماعية جديدة. ولوج المرأة سوق الشغل: عمل المرأة يكون مؤثرا في قلب علاقات السلطة بين الزوجين خاصة في الاسر الفقيرة. وانطلاقا من ملاحظاته وبعض المقابلات استنتج الباحث ان توزيع الادوار داخل الاسرة التونسية مازال يقوم الى حدّ كبير على ثنائىة الداخل والخارج اذ ان الانشطة والاعمال مقسمة على اساس جنسي والمرأة مازالت تتحمّل لوحدها الشأن الداخلي في البيت حتى وان كانت تعمل وتساهم في الدخل الاقتصادي للاسرة. يقول الباحث: يمكن القول بالتعبير السوسيولوجي الحديث ان الموروث الثقافي الاجتماعي بخصوص مسألة العلاقة بين المرأة والرجل مازال موروثا محكوما بمنطق المجتمع الذكوري. ويرى الدكتور الدرويش ان المساهمة المرتفعة التي تبذلها المرأة في الشؤون المنزلية قد اثّرت في مستوى مساهمتها في المجال الاجتماعي وحتى في مستوى ادائها المهني وتوجد من بين النساء من اضطررن الى الانقطاع عن العمل والدراسة بفعل الاعباء العائلية وضغوط الزوج. وفي باب اتخاذ القرارات يرى الباحث ان عمل الزوجة يساهم في اتساع حجم مشاركتها في اتخاذ القرارات.