أعلنت فرنسا رغبتها في تحويل جزء من الديون التونسية إلى مشاريع تنمية وإستثمار، خاصة في الجهات الداخلية للبلاد. هل تم إنجاز هذا الوعد ؟ تعرفون، مثلي، العلاقات المتينة التي تربط بلدينا. يتم التعبير عن هذه الروابط بطرق متعددة، بما في ذلك في مجال التعاون الاقتصادي. ويمثل طبعا القرار الذي إلتزم به الرئيس فرانسوا هولاند في جويلية 2013 أحد أسباب قدومي إلى تونس اليوم. بصفة ملموسة، أمضى رئيس الحكومة التونسية السيد حبيب الصيد خلال زيارته إلى فرنسا، يوم 22 جانفي 2016، إتفاقية تحويل نسبة من الديون إلى مشاريع تنمية بقيمة 60 مليون يورو. وتمت الموافقة على إختيار مشروع بناء مستشفى جهوي بقفصة اقترحته السلطات التونسية التي نعمل معها بشكل وثيق يوم 30 مارس الماضي خلال لجنة متكونة من مجموع ممثلي الجهات الفاعلة التونسية والفرنسية. يمثل التنفيذ العملي والملموس لتحويل الديون أولوية اليوم بالنسبة للسلطات الفرنسية والتونسية. من الآن فصاعدا، يمثل التنفيذ الفعلي لتحويل الديون أولوية. حاليا، المشروع في مرحلة الانطلاق مع تنفيذ وشيك لمساعدة فنية فرنسية من المفروض أن تساهم قريبا في تحديد مشروع مفيد لسكان هذه المناطق. أعلن الرئيس فرانسوا هولاند أن فرنسا سوف تنفذ خطة لدعم تونس بقيمة مليار يورو خلال السنوات الخمس المقبلة. هل بدأ تنفيذ هذه الخطة وفي ما تتمثل بالضبط ؟ إنّ خطة المليار يورو على خمس سنوات التي أعلنها رئيس الجمهورية في جانفي 2015 هي تعبير عن الدعم المالي، المادي والديبلوماسي الذي ستواصل فرنسا وشركاء تونس الآخرون تقديمه إليها. في فرنسا، الكل واع بخصوصية المسار السياسي لتونس. الجميع يدرك أيضا، كما هنا في تونس، بأن تعزيز الديمقراطية التونسية يعتمد كذلك على التنمية الإقتصادية. تقف فرنسا والحكومة الفرنسية بشكل كامل إلى جانب الشعب التونسي. لذلك وتماشيا مع إحتياجات البلاد، سوف تتمحور خطة الدعم حول أربعة محاور : توفير العمل للشباب، تنمية المناطق النائية والمحرومة، تحسين إمتصاص المساعدات الدولية ودفع السياحة. عمليا، سوف تزيد الوكالة الفرنسية للتنمية من إلتزاماتها المالية بحوالي 150 إلى 200 مليون يورو سنويا. يتعلق الأمر بجهد هام جدا قد بدأ بالفعل وهو يدل على إلتزامنا الملموس. سوف يعتمد على إستراتيجية جديدة تتماشى مع الإستراتيجية الخماسية التونسية (مخطط التنمية) 2016 - 2020. تتمحور أنشطة الوكالة الفرنسية للتنمية بالنسبة لسنة 2016 حول الأوليات التي حددها التونسيون. أذكرها : أولا، تشجيع الإندماج الإجتماعي والإقتصادي للمناطق المحرومة؛ ثانيا، دعم المشاريع الكبرى المهيكلة؛ ثالثا، دعم قطاع الصحة الإلكترونية؛ رابعا، تشجيع الإدماج المهني للشبان التونسيين وخامسا؛ دعم اللامركزية. ستعقد تونس في شهر أكتوبر القادم مؤتمرا دوليا لتمويل مشاريعها المبرمجة في مخطط التنمية 2016 - 2020 . هل ستكون فرنسا إلى جانب تونس وهل تنوي المشاركة في جهود إنعاش الإقتصاد التونسي ؟ بالتأكيد، تتبع زيارتي إلى تونس الزيارة التي قام بها وزير الشؤون الخارجية والتنمية الدولية، يوم 18 مارس الماضي. لقد أتى جان مارك أيرو لتقديم رسالة تضامن ودعم للسلطات وللشعب التونسي، بعد مرور سنة على الهجوم الدموي الذي إستهدف متحف باردو، وكذلك لتقديم رسالة ثقة في قدرة تونس على رفع التحديات المتعددة التي تواجهها. جئت للتأكيد مجددا على دعمنا الاقتصادي ومساندتنا للتنمية في تونس. منذ الثورة، تبقى فرنسا المانح الثنائي الأوّل للمساعدة الإنمائية الرسمية لتونس. وهي أيضا الشريك الاقتصادي المميز لتونس (أول شريك تجاري، أول مزود للاستثمارات الأجنبية المباشرة باستثناء الطاقة). سنواصل، كما دئبنا وبشكل حاسم في كثير من الأحيان، مساندة إرادة الإصلاح التونسية في المحافل الأوروبية والمتعددة الأطراف ولدى الجهات المانحة الدولية. اليوم تونس بحاجة إلى تعبئة متزايدة للخبرة الفنية ، خبرة الدولة والإدارة التونسية من جهة، وخبرة شركائها الأجانب من جهة أخرى، أكثر من حاجتها إلى "خطة مارشال". لم يتم إستيعاب جزء كبير من المساعدة المقدمة لتونس منذ الثورة، وهو تحد أوّل هام جدا. من جهة أخرى، بينما يمكن للشركات الفرنسية المتواجدة والمجندة أن تكون أكثر فاعلية بفضل إصلاحات واضحة و قابلة فعلا للإنجاز وكذلك بفضل محيط أعمال أكثر إستقرارا وجاذبية متجددة، نلاحظ انخفاض إنتاجية العمل بصفة منتظمة في تونس منذ الثورة. سوف يتم تناول هذه المواضيع خلال أول اجتماع للمجلس الأعلى الفرنسي التونسي في الخريف القادم، برئاسة الوزيرين الأولين، السيدان الحبيب الصيد ومانوال فالس، وبمشاركة العديد من الوزراء. إنّ التحضير لهذا الموعد المهم من علاقتنا الثنائية هو السبب الثاني لزيارتي إلى تونس. مثلما تبدون تحفظات حول إتفاق التجارة الحرة عبر الأطلسي، يطلق الفاعلون الاقتصاديون التونسيون تحذيرات ضد مشروع إتفاق التبادل الحر الشامل والمعمّق. هل يصح القيام بمقارنة بين الاتفاقيتين ؟ أولا، أود أن أذكر بأن فرنسا تدعم، كما تعلمون، المفاوضات التي افتتحت رسميا في نهاية العام الماضي. ثم، وللإجابة عن سؤالكم، لا أعتقد أنه يمكن المقارنة بين إتفاق التجارة الحرة عبر الأطلسي ومشروع إتفاق التبادل الحر الشامل والمعمّق لأنهما بكل بساطة لا يغطيان نفس الرهانات. أولا، مشروع إتفاق التبادل الحر الشامل والمعمّق هو أكثر من مجرد إتفاق تجاري يهدف إلى تحرير الأسواق. يتعلق الأمر بأداة تهدف إلى تجسيد الشراكة المميزة بين الإتحاد الأوروبي وتونس التي تم إعتمادها في نوفمبر 2012. من المفروض أن يتناول إتفاق التبادل الحر الشامل والمعمّق العديد من المسائل التنظيمية : يتعلق الأمر ببساطة بتشجيع الاندماج التدريجي للاقتصاد التونسي في المجال الاقتصادي الأوروبي. في حين، وهذا هو الفرق الكبير مع الاتفاقيات الأخرى، يشدد المسؤولون الأوروبيون والفرنسيون جميعهم على ضرورة إتاحة الوقت للشركات التونسية لتتأقلم مع سياق اقتصادي مختلف وهو السياق الذي تتحرك فيه الشركات المنافسة الأوروبية. وسوف يكون هذا التكيّف موضوع دعم مالي مهم من قبل المؤسسات الأوروبية والبلدان الأعضاء. فالمبدئين السائدين هما مبدأي التماثل والتدرّج. أخيرا، يجب التذكير بأن المفاوضات تجري في ظروف الشفافية الكاملة : تم نشر نصوص التفاوض المقترحة من قبل الاتحاد الأوروبي على موقع على شبكة الإنترنت ويمكن للجميع الاطلاع عليها. أضيف بأن المجتمع المدني يشارك مشاركة كاملة في سير المفاوضات. وكما هو الحال بالنسبة لأية مفاوضات تجارية، من المهم والمشروع تنظيم نقاش ديمقراطي وشفاف حول مضمون الاتفاق القادم. بالنسبة لنا، نعتقد أنّ هذه المفاوضات، إذا ما أفضت إلى إتفاق مطابق لمصلحة الطرفين، يمكن أن تمثل فرصة لا يستهان بها للنمو والتشغيل. كيف حال الجالية الفرنسية بتونس ؟ هل هي منشغلة بفكرة العودة إلى فرنسا أو البقاء هنا في تونس ؟ (أشير إلى سبر الآراء الذي قام به معهد إيبسوس والذي يفيد بأن 42 في المائة من الفرنسيين منشغلون بفكرة العودة). بصفتي مكلّف بالتجارة الخارجية وبالفرنسيين في الخارج، جئت أيضا إلى تونس لملاقاة الفرنسيين المقيمين هنا. سوف تتاح لي اليوم فرصة تبادل الحديث مع ممثليهم الذين يجسدون على أحسن وجه علاقتنا الثنائية، وذلك لفهم إنتظاراتهم بصفة جيدة ولكن أيضا للتعلم من تجاربهم. هذا الأمر هام جدا بالنسبة لي. لقد سبق لي أن زرت تونس في سبتمبر 2014 وأدهشني شيء واحد : رغم الصعوبات التي يمكن مواجهتها أحيانا، فإنّ رجال الأعمال وأصحاب المؤسسات والمستثمرين الفرنسيين، وكذلك المتقاعدين وأصدقاء هذه البلاد يثقون في تونس ويحيّون مواردها البشرية ولهم رغبة واحدة : المساهمة في مزيد تطوير الروابط الاقتصادية والبشرية بين بلدينا