قال لي كرملي: جائع جائع أبتاه قلت نبع سيجري على قدميك قال لي شوكة في يديك قلت يوما يفيض الإله بكأس... وخضرا.. ووجه حسن في خليج القرود يا زمان الأسى والسدود ما أنا من «غزيّة» إن لهثت كالجواري وراء اليهود في الزمان الرديء كتبوا في الرقاع: شمسنا لا تضيء دمنا في البقاع لست منه بريء» عز الدين المناصرة ذاك الشعر هو السلاح في وجه الطغاة وهو النيران في نفوس أعداء الانسان وأعداء الأمة العربية. ولقد شكّل تيار كامل من الشعراء المعاصرين وأساسا من الفلسطينيين توجّها أدبيا يندد بالاستعمار الاسرائيلي ويجعله سبب مأساة الشعب وكان محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد أبرز الاسماء التي شدّت الجمهور العربي والقرّاء الى منطق قول جديد يجعل من الشعر رمزا للشكف عن آلام الافراد في توقهم الى جنة جديدة يتحرر فيها الانسان من طبقية الارض وعسف سلطة الاستبداد السياسي والاقتصادي والاجتماعي تلك التي عبدت سياسة التهجير وحرق الزيتون واغتصاب الواقع والتاريخ: «أنا من قرية عزلاء منسية شوارعها بلا أسماء وكل رجالها في الحقل والمحجر يحبون الشيوعية» * محمود درويش ينصهر الشاعر في حلم بديل حلم المساواة وإرادة الكيان في حياة أعمق في زمن يتصدى فيه المجتمع الاسرائيلي الى كل صوت يريد كيانا أجمل فيختلط صوت المعاناة الشعبية بلسان شاعر يتوق الى الانصهار في أممية جديدة... يحرسها اليسار المثقف في إعجابه بالاطروحات الماركسية التي عاهدت المحرومين في العالم على استعادة سيطرتهم على «العمل» و»القيم» والتاريخ الانساني المشوّه بأكاذيب حول الطبيعة الانسانية وغايات وجودها. إن شعر المقاومة في الشعر الفلسطيني المعاصر يصادق المحرومين ويتخذ من تلك اللغة البسيطة والخيال الرائق رمزية يفهمها الجميع فيتحلقون حول «المذياع» يستمعون الى أغاني مارسال خليفة تلك التي خبرت ذائقة الشعب فانتخبت من شعر النضال ما جعلها مرآة لأصوات الحرية التي لا تخبو فكانت لقاءات الشعراء والموسيقيين والفنانين بالجمهور في المخيمات والملاجئ وخنادق القتال صورة جديدة لكيان انساني عربي ملّ الانتكاسات فشحن ذاته بشعر الموقف والنضال: «سلبت كروم أجدادي وأرضا كنت أفلحها أنا وجميع أولادي ولم تترك لنا ولكل أحفادي سوى هذي الصخور فهل ستأخذها حكومتكم كما قيل؟ إذن سجّل برأس الصفحة الاولى أنا لا أكره الناس ولا أسطو على أحد ولكني إذا ما جعت آكل لحم مغتصبي حذار من جوعي ومن غضبي» * محمود درويش إن هذه الصورة عن شعر المقاومة الفلسطينية تسعى الى إكساب الارض ضرورة جديدة تتجاوز حضورها المادي الى أبعاد «ديالكتيكية» غايتها تغيير وقائع الوجود السلبي للانسان بحضور مستقبلي إيجابي فيفعل الواقع فعله في الذات التي تسلط عليها «الآخر» فسلبها حميمية علاقتها برحم وجودها الاول فراحت تبحث عن فضاء مستقبلي يخلصها من هذا الواقع البغيض الذي تربع عليه كيان صهيوني يعادي الارض والعرض والتاريخ والحاضر والمستقبل. ذاك هو الشعر مقاومة لسرّاق الارض والنوم ولكل الكفّار بالانسان فكانت صور القصائد تقطر دمّا مثلما تعجّ رموزا فتدعونا جميعا الى أن نكون قومة على الوجود زمن محاربة «الكيان الصهيوني» لكل وطنية ولكل أنسنة. ولعل ما تشهده الأمة العربية اليوم في «العراق» يشي بقيام تيار أدبي جديد يدخل هو ذاته في «شعر المقاومة» أو ليست «المقاومة» لغة انسانية لا تعترف بالمكان والزمان؟ أو ليس شعر المقاومة العربية في هذا العصر «المعلوماتي» يتطلب أن ينخرط «الآخر» في هذا التيار ليساهم معنا في مقاومة كل أشكال العسف الاستعماري كلغة سيطرة القوة على الحق؟ أو ليس الحق إنسانيا؟ فلم لا يكون «الآخر» الذي يشاركنا اعترافنا بحقوقنا طرفا أساسيا في إنشاء صورة «ديالكتيكية» عن أدبنا في سعيه لتأسيس أدب «الموقف» أدب الشعب وأدب القصد للحياة تأسيسا للحرية غاية الغايات. سيكون في الغد أدب «الفلّوجة» وشعر «كربلاء» و»النجف» وستنتعش ذاكرتنا بأصوات جادة سوف تلتحق بحركة شعر المقاومة الفلسطينية. لعلها «المقاومة» خيال انسان يتوق الى مستقبل أروع زمن الكفر بالعروبة وبالهوية وبالقيام الانسانية. «دم فوق الاسفلت، دم فوق وجه المتنبي، وهو يلقي قصائده في ساحة التحرير، دم فوق جبين المعرّي الاعمى وهو يتنقّل بين الرصافة والكرخ، داخل الازقة شاقا طريقه بعصاه بين الانقاض التي خلّفتها صواريخ كروس وقنابل قاتلة الاقحوان». * فاضل العزاوي «الآن وقد كتبت قصيدة ضد الحرب في العراق أو في أي مكان آخر علما أنها واقعة لا محالة بات في وسعي أن أغسل يديّ من دم هذا الصديق أن أتمدد مطمئنا وأن أشعر بالرضا بات في وسع الحرب أن تندلع بعدما أرحت ضميري وإذا سألني يوما ابني الذي لم يولد بعد: ماذا فعلت لكي توقف تلك المجزرة يا أبي؟ سأجيب: «أنا؟ لقد كتبت قصيدة ضد الحرب؟» * يان أوسكار هانسن