كتب الاستاذ بالجامعة التونسية ومنسق شبكة باب المغاربة للدراسات الاستراتيجية صلاح الداودي نصا تلقت الشروق اون لاين تحدث فيه عن المخطط الذي تحاول عديد الدوائر تمريره في فنزويلا واسقاط النظام القائم وابداله بحكومة تابعة خاصة للقرارات الامريكية وجاء النص كالتالي: "حتى الآن، الصندوق الدولي للديمقراطية في فنزويلا فاشل وخططه العدوانية معطلة. وخلايا المخابرات الأمريكية فاشلة وعاجزة. كذلك خلايا جورج سوروس وبنوك الصهاينة ومن والاهم. فاشلة صيغ إسقاط وإعادة هيكلة النظام على طريقة ربيع المجر وربيع براغ والربيع العربي وخطط التقسيم والتفكيك في البلقان وفي البلطيق وفي المحيط الآسيوي (نمور آسيا) وفي القوقاز وفي مناطق التبعية الأمريكية في أميركا الجنوبية والوسطى. فاشلة تصورات مونرو وبريجنسكي وسوروس وغيرهم، عاجز إرث بوش وبقية أوباما وواقع ترامب. كل خزان الحركة الثورية يعمل بقوة وعلى رأسه مؤسسات الدولة في مستوى الرئاسة والحكومة والجيش والجمعية الوطنية التأسيسية...الخ، في الجوانب الأمنية والعسكرية وفي الأبعاد الاستراتيجية (التي سنعود على ثلاثتها في وقت لاحق) وعلى المستويات الإقتصادية والاجتماعية والسياسية والدستورية. هذا ولا ننسى أهمية التعليم ودوره ونوعيته في المدارس والمعاهد والجامعات الحكومية والجامعات الحكومية الشعبية. فهو إجباري ومجاني بحق في كل المراحل ادناها واعلاها. اما العمق المسيحي للثورة البوليفارية أمر جلي جدا، زاد التأكيد عليه الكومندو المسؤول على مرقد الراحل هوغو شافيز. ودور الكنيسة الثوري تجلى أكثر فى دعوة الحوار ورعاية الحوار والانحياز إلى الثورة. ما يستدعي أو يبعث الأمل في قطب وطني كبير وموحد في شكل جبهة وطنية واسعة معادية للإمبريالية والاستعمار والصهيونية للعمل مع كل من تبقى بعيدا عن الحزب الاشتراكي الموحد، أكثر من التنسيق الانتخابي، ولتعميق الإتجاه الثوري البوليفاري وتعميقه.
1- في السياسة
كان قرار 17 دولة في قمة الدول الأمريكية سنة 2014 ضد فنزويلا ذروة قرار التوجيه بالتخريب والصدام المؤسساتي. وتحركت النخبة المالية بقرار من مكتب واشنطن لتفجير الدولة وتكريس ثورة ملونة بدعم استخباراتي أميركي. وكان الهدف الجلي تماما اضعاق الحكومة محليا ودوليا لاجبارها على ترك السلطة ووضع الشعب موضوع الصدام اما لأن الدولة لا تستجيب لحاجياته واما لأنها لا تضرب المعارضة بقوة كما تريد فئات شعبية واسعة. تلى ذلك في علاقة بما يسمى قرار 3 أفريل المتعلق بما يسمى "ميثاق ديمقراطي" أو عودة فنزويلا إلى النظام الديمقراطي. علق الرئيس مادورو على ذلك لاحقا بسخرية في مرات متفرقة لما قال أنهم يشبهونه بستالين ويشبهونه بصدام حسين في مسعى لتاليب الناس مثلما وقع في دول أخرى. مقابل ذلك كان ومازال الرئيس مادورو يعتبر نفسه أول رئيس تشافيزي متمسك بحماية الفقراء وحماية الإستقلال في أفق استكمال المهمات البوليفارية لترسيخ اشتراكية ثورية لا اشتراكية ديمقراطية تابعة للغرب واقتصاد سوقه كما يتم دفعه إلى نمط البرازيل. كان الراحل كاسترو قد قال يوما في حضور هوغو شافيز ان مصير الثورة في أميركا الاتينية، بما في ذلك مصير كوبا، يعتمد من هنا فصاعدا على فنزويلا. ويا لها من مهمة ثقيلة على مادورو تحملها والنجاح فيها. يتجه الرئيس على ما يبدو، بما مهد له في اجتماع الحديقة الوطنية واراريا ريبانو (على علو 2300 م فوق سطح البحر) بحضور الرئيس البوليفي موراليس والوفود الزائرة يوم 17 المنقضي نحو محاربة الفساد. وهو ما أكد عليه بشكل خاص في اجتماع شعبي أمام القصر الجمهوري الأسبوع الفارط بحضور من جاؤوا من العالم للتضامن حيث أكد على مقاومة البيروقراطية وانعدام النجاعة والفعالية والتصدي للفساد، ما أدخل ارتياحا عميقا في الجماهير الحاضرة. فالفساد يحول دون وصول الدولة إلى أهدافها ويحول دون الحكومة والجماهير. وهو على ما فهمنا، أي الفساد، قابل للفهم على النحو التالي: هو آلية معارضة وهو أسلوب تخريب وهو أداة إسقاط للأنظمة الوطنية في ظل النظام الرأسمالي المتخلف الذي ينخر برامجها. ربما يكون شعار "وحدة نضال انتصار" تعبيرة صادقة عن الخط السياسي العام الذي تسير عليه التشافية المادورية. فهو يراهن على وعي الشعب ويؤسس لدولة الشعب ويعتبر ان المستهدف هو الشعب. لقد برهن الفنزويليون على إيمانهم بديمقراطية صناديق الاقتراع إذ وقعت 21 انتاخابات في 18 سنة. ونزعوا نحو الحوار مع ما يسمى طاولة الاتحاد الديمقراطي المعارضة ويواصلون التأكيد على الحوار الذي ترعاه الدومينيك. ورغم كل ما يقوم به اليمين العالمي لتدمير المسار الثوري الفنزولاني فإن أسس المشاريع التشافية تبقى ثابتة ولا يدل شيء على ما يمكن أن يتفوق عليها. مشاريع مثل اتحاد شعوب أميركا الاتينية ومجلس دفاع جنوب أميركا وجامعة أميركا الجنوبية وبيترو أميركا لاستثمار عائدات النفط وبنك أميركا الجنوبية وتلفزيون الجنوب. كل ذلك تعتبره أميركا تهديدا كبيرا لها بل وتهديدا للأمن القومي كما قال ترامب في الأسابيع الماضية بل ويذهب هذه الأيام إلى الدفع لاقرار عقوبات اقتصادية أخرى ضد فنزويلا. لن يتوانى مكتب واشنطن لأميركا الاتينية حسب تقديرنا عن مواصلة دعم خطط الانقلاب بالأسلحة والمخابرات وربما فرق الموت. يكفي أن نذكر هنا بما وقع في تشيلي قبل عقود وما وقع في هندوراس سنة 2009 وانقلاب الباراغواي سنة 2012 وما وقع في الأرجنتينوالبرازيل سنة 2016 وأمثلة أخرى عديدة في دول الكاريبي وأميركا الوسطى. اما حادثة ثكنة باراماكاي التي أصيب فيها 7 انفار فتبقى في البال حيث يحتمل ان الاستهداف كان لسرقة السلاح.
2- في المسار الدستوري
يبقى البعد الدستوري في اللحظة الفنزويلية الراهنة من أهم المراهنات واوكدها. وتبقى مسألة "إبداع نموذج اقتصادي جديد" الصلب الصلب والمدار الأساسي المأمول من الجمعية الوطنية التأسيسية على نحو يجسد حق الشعوب في اختيار نظامها الاقتصادي وبالتالي الاجتماعي والسياسي. قالت السيدة دالسي رودريغاس رئيسة الجمعية الوطنية التأسيسية ذلك يوم الثلاثاء 19 سبتمبر بلهجة حاسمة وبتاكيد فريد في لقاء الوفد التضامني العالمي موضحة أن النموذج الجديد المطلوب هو بتوصية مباشرة من الرئيس نيكولا مادورو مورو. وللاشارة هو الاستفتاء الأول على الدستور. وشددت على فرادة المسار التأسيسي في بلدها على أنه يتيح ممارسة شعبية للديمقراطية بوصفها ديمقراطية ثورية شعبية وبوصفها شاملة للجميع ومطورة لحقوق الجميع وعلى رأسهم الأهالي الأصليين والنساء الاتي سيحضين بفصل جديد يضيف إلى حقوقهن. ورغم تعطيل الانتخابات من طرف المعارضة ومحاولات اكراه الناس على عدم التصويت ما حدا بالسلطات تغيير بعض أماكن التصويت، ورغم عزل قضاة المحكمة الدستورية العليا من طرف الأغلبية البرلمانية اليمينية التي تسيطر على ثلثي البرلمان ووضع كل الإجراءات في خدمة الانقلاب لتنفيذ أوامر منظمة الدول الأمريكية المعادية لنظام فنزويلا، فإن ما وقع من تصعيد في شارع ليبارتاريو مثلا وغيره لم يشكل إعاقة للمخرج الدستوري الذي برهن على وجاهته حتى الآن. وهو الذي سوف يحمي حسب تقديرنا الجانب الاجتماعي من المسألة باعتبار 6 ملايين عائلة تتمتع بالتموين حسب وزير التموين عن طريق البطاقة الوطنية. وباعتبار ان 8 ملايين عائلة تحظى إلى جانب التوزيع المباشر للخدمات بالضمان الإجتماعي. ويساند هذه الإجراءات 50 بالمائة من الفنزويليين حسب الإحصاءات. وصوت للجمعية الوطنية التأسيسية 82 بالمائة.
3-في البعد الإقتصادي والإجتماعي
في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي انطلق الراحل عوغو شافيز في ثورته من تنظيم سري اسمه الحركة الثورية البوليفارية. وظلت تلك النواة التنظيمية أساسا ثابتا وصولا إلى تأسيس الحزب الاشتراكي الموحد سنة 2009. جاء الرئيس النقابي مادورو من الرابطة الاشتراكية الماركسية التي اندمجت في الاشتراكي الموحد. عمل كوزير للخارجية ثم كنائب للرئيس شافيز الذي أوصى بانتخابه وهو ما تم بالفعل بنسبة 50،7 بالمائة. في خلال هذا الترحال عرف الرئيس مادورو عن قرب الطبقة الطفيلية الفاسدة والطبقة البرجوازية التقليدية والطبقة البيروقراطية مدنية وعسكرية. عايش رحيل الشركات الأجنبية ورؤوس الأموال في مجال تركيب السيارات وقطع الغيار. تحمل كل أنواع الضغط للتنازل الحدي أو ترك السلطة لما يمثله من خط ثوري مناهض للراضين بتحويل بلاده لحديقة خلفية للأمريكان. تحضرنا هنا مقولة كيسنجر المأثورة: "ستظل قيادتنا للعالم موضع شك ما لم نستطع السيطرة على حديقتنا الخلفية أميركا الاتينية"، ما ينبه على أن المسالتين الاقتصادية والاجتماعية محددتان وبمثابة حياة أو موت لمن يريد منع عقيدة الحديقة الخلفية هذه ومواجهتها بعقيدة ثورية. نذكر هنا بالخسارة الاقتصادية الكبرى الناجمة عن تعطيل إنتاج النفط نتيجة الإضرابات التي سيطر عليها اليمين، بالطبع بعد عملية التاميم التي أنجزها شافيز. وبتوزيع آلاف الوحدات السكنية على الفقراء. وبانخفاض برميل النفط من 100 دولار إلى 19 دولار في وقت من الأوقات. ثم استنزاف الصناعات وتراجع الزراعة وانهيار قيمة العملة المحلية البوليفار من 12 بوليفار مقابل الدولار الواحد عند رحيل شافيز إلى 190 بوليفار للدولار. وكذلك الكساد وتراجع النمو والتضخم الكبير زيادة على فقدان المواد الغذائية المدعومة المفتعل والتي أخذت طريقها نحو الزوال وكذلك أيضا نقص الأدوية خاصة أمام منع أميركا للشركات المتعاملة مع دولة فنزويلا. اما المؤشر العدواني الأكبر فهو خروج فنزويلا بعد كوبا نتيجة لرفع الفيتو ضدها ارجنتينيا وبرازيليا وباراغوانيا... وحرمانها من حقها في ترأس اتحاد سوق الجنوب مركوسور، وهو أمر كان يعمل عليه بأمر من الولاياتالمتحدة منذ 2001. لقد خفض تعيين وزير محايد بصفة تكنوقراط على رأس وزارة الاقتصاد الإنتاجي من خارج الائتلاف الحاكم وتوليه نيابة الرئيس للشؤون الاقتصادية من التوتر ، ولكنه لم يخفف من الأزمة بل عمقها. حيث عمل الوزير رجل الأعمال ميغيل بيريس ذو الميول اليمينية على تحرير غير مباشر للأسعار فارتفعت أسعار المواد الأساسية والكمالية بشكل هائل وهبطت المقدرة الشرائية للمواد شبه المدعومة بنسبة ألف بالمائة. وعلاوة على رفع الدعم المباشر وغير المباشر حيث ارتفع سعر الأرز من 25 إلى 950 بوليفار والسكر من 12 إلى 1200 بوليفار، في حين توقف الحد الأدنى للأجور عند 3200 بوليفار. وأكثر من ذلك، يتم العمل على تفكيك تأميم الأراضي وانتزاعها بما يعني تخريب الاقتصاد الوطني التعاوني الاشتراكي، وقد حذر شافيز نفسه من ضياع الثورة دون ثورة اقتصادية تقطع الطريق على سيطرة السياسات اللبرالية المتوحشة التي تتحول شيئا فشيئا لأمر واقع. مع ذلك كله لم تدخل الحركة الشعبية في رد فعل مباشر (70 بالمائة يرفضون الأعمال الوحشية بصفة عامة وبشكل مطلق ما وقع في مدينة فلنسيا مثلا) ولم ينجح اليمين الفاشي في تقويض السلم الأهلية. ولم يترك صغار الحرفيين وصغار الفلاحين والبحارة وموظفو الخدمات والطبقة العاملة الفرصة للانقلاب كما حصل ضد تشافيز. حصلت استفادة كبيرة بطبيعة الأحوال لتجار الجملة والمستوردين وراس المال البنكي والطبقة الكمبرادورية والبرجوازية الريعية التجارية، ما يؤسس لعودة اليمين التقليدي ممثلا في حزب الفعل الديمقراطي ومن معه والذي حكم لمدة 40 عاما. وأخطر منه اليمين الفاشي الأكثر تطرفا وتصهينا وعودته إلى التحكم في راس المال المالي وعوائد النفط منذ ما قبل الثورة البوليفارية. ما يؤدي إلى تعميم الإحباط لدى الجماهير وكي وعيها بمعنى أن الثورة تأتي بالفساد والرأسمالية هي التي تحارب الفساد وتحقق الرفاهية، ولا طائل من الثورة التي تحولت لمختبر للفساد في الأخير. على النقيض تماما تواصل فنزويلا الكد العسكري - المدني الموحد لتأمين ورفع وتيرة الإنتاج في معامل النسيج والبلور والمياه...الخ. وتجهد في حماية نظام الرعاية الاجتماعية المحافظة على قوت الشعب من كل المواد الأساسية الضرورية. وقد كانت أطلقت المهمة الكبرى للتدابير الحيوية والمؤقتة كبرنامج هيكلي وسياسة أصلية لتنظيم الاقتصاد. وكانت لها برامج تكميلية في البنية التحتية والطاقة بكل ما تقتضيه مراحل التنظيم والتخطيط والتشييد. وبمشاركة اليونسكو ومنظمة الفاو ومنظمة التجارة العالمية في عدة أحيان. وأكبر مثال على ذلك مخطط 2016 في خصوص بناء التجمعات السكنية عالية التجهيز بمشاركة مباشرة من المعنيين. أنجزت هذه المشاريع مع الصين وروسيا وإيران والبرتغال وفيتنام. وتم إرساء معادلة مهمة بين الشغل والسكن في المستويين أي الإنتاج العسكري - المدني والتمتع بهذه المساكن، وعلى ذلك تشهد الناحية الجنوبية الغربية من العاصمة كاراكاس على سبيل المثال بشكل يدمج الحياة اليومية السوسيوانتجاية في نموذج الإنتاج. ومع ذلك لم تصبح فنزويلا إستثناء محصنا من الابتزاز المالي لدول الكاريبي ولا شفع لها كونها أول احتياط عالمي نفطي ب 296،5 مليار برميل سنة 2012، بل على العكس تماما، هي كانت وتظل في عين العاصفة. أمر كهذا ميزة وعي في فنزويلا، بل عامل قوة. فهم يعلمون أن المشاركة في الحرب الاقتصادية هي مشاركة مماهية لتمويل الحرب العسكرية على بلدهم. ولذلك يفهم الناس ان استنزاف الدولة الذي حصل مع شافيز بكم وحساب البرامج المباشرة والمشاريع المنجزة بصفة قياسية وبسرعة قياسية استعجالية كان سببا مباشرا في شن حرب اعتراضية على سياساته. كانت الاستجابة المباشرة لحاجيات الجماهير كبيرة وأحيانا تحت الضغط وكأنها إقتصاد كوارث على غرار إنقاذ مناطق الأغوار التي اغرقتها وزحفتها الفيضانات ابان انتخاب تشافيز. اما الآن فتتجه الأنظار إلى ما هو أهم وأبقى ونعني بذلك تشريع أو دسترة المنجزات والبرامج لا دستور الجمهورية الرابعة والاستسلام لمن يعتبرون الخط الثوري "ثورة لعينة".