مالك تنظرين إليّ هكذا؟... ولماذا أنت تعيسة ومقرفة هذا اليوم؟... لا تحاولي إثارتي ولا تزعجيني بهذا الموال، فهذه الليلة بالذات أريد أن أحتفل بالنشوة التي تمتلكني ولا أحتمل نظراتك بل لعلي لا أحتمل المكان نفسه... فما رأيك إن أرحتك أرحت هذه النفس الراغبة في التحرر؟ وقبل أن يتجه صوب الباب ألقى نظرة على جسده النحيف فتفطن الى ضرورة الاصلاح من صورته فمن غير اللائق أن يظهر بمثل هذه الفوضى... قميص لا يكاد يغطي إلا بطنه، بقع عديدة لعلها من ماء أو من نبيذ أو من سائل طبيعي تؤثث سرواله، حذاء بلا لون ولا هوية مستعد للاستقالة في أي لحظة، سترة عريقة يعود تاريخها الى عصور ما قبل التاريخ ألقيت بإهمال على كتفيه. رفع رأسه في تحد ونظر الى زوجته التي لاتزال على حالها، عينان دامعتان، يدها اليمنى مسندة الى خصرها أما الاخرى فقد وجهتها بعنف الى صدرها وكأنها تصر على الانغلاق، وأخذ يحدث نفسه في تقطع. ما ضر... ما ضر لو خرجت على هذه الشاكلة؟... ألن أكون أنا؟... أسيجرأ أحد على الاستهزاء بي؟... ماذا لو لم أجد ما أستر به عورة هذا الجسم؟ إما أني سأضطر الى الانحراف وليس لاحد الحق في محاكمتي أو سأكون كما أنا وسيجبر الكل على احترام قرفي وبؤسي. عندما وطئت قدماه الشارع كانت الساعة قد تجاوزت الواحدة. المدينة فارغة، موغلة في صمت جنائزي يزيد من وحشة هذه الليلة المقمرة. عدد قليل من القطط اعترضت سبيله. الجلي أنها كانت تبحث عن الامان وعيونها الجميلة تبرق ببراءة. وبقدر ما أسعده مواء القطط أزعجه نباح الكلاب السائبة... وما أكثرها. هم كثر سواء بالليل أو بالنهار. كان وهو في طريقه اليه يتساءل عن حقيقة مشاعره، عن رغبته الملحة في أن يكون له دون سواه. عندما تسللت رائحته الى أنفه تنهد من الاعماق وتسارعت خطاه من دون أن يكون راغبا في ذلك. لحظات قصيرة وجد نفسه في مواجهة موجه المتلاطم وزرقته التي استحالت سوادا. ألقى جسده بإهمال على الرمل فأحس ببرودة زادته لذة وانتعاشا ولأول مرة وهو في حضرة البحر يتلهى عنه بالنظر الى السماء... ترى كم يفصلني عنه... سماوات سبع ومعها آلاف وآلاف من الكيلومترات؟ لماذا يراني ولا أراه...؟ ألأنه رب هذا العالم، الواهب، العادل، المسامح، الكريم... لعلها حكمته ورحمته فهو الحكيم الرحيم العليم... ولكن لماذا لا يبدد هذا الشقاء ويصرف عنا العذاب بإنهاء الحياة البائسة؟ جحظت عيناه فجأة وقهقهة عاليا وتساءل من جديد ما معنى أن يحيا الانسان مكرها ويموت مكرها وهل صحيح أن هناك حياة بعد موت... أنا مثلا لماذا خلقت هكذا؟... الحقيقة أني كنت أتمنى أن أكون أكثر وسامة وجاذبية. كنت أطمح لو أني رب عائلة محترمة، صاحب منزل فخم وسيارة أنيقة... والله أجل فأنت الوحيد الذي أحلف بقداسته... لو كنت كما حلمت دائما لما تعاليت على الضعيف ولتعاطفت مع المسكين. ولكن... هي مشيئتك وإرادتك وليس لي معك يا خالقي سوى الحمد والامتنان فأحمدك اللهم على ضياعي وتيهي. وأشكر لك فضل الفاقة والحرمان فخير لي أن أكون انسانا محروما من وحش كاسر. ... أأخطأت في شيء قد أكون فعلت ولكن ألا تراني الاقدر على مصارحتك ومحادثتك منهم أعلم أنهم جبناء... ولو أنهم شاهدوني أو سمعوني لنعتوني بالجنون والالحاد... أحس صاحبنا بجسم رطب يمر فوق قدميه، رفع رأسه قليلا لتصعقه رؤياها كانت أفعى... أجل أفعى طويلة الجسم، لسانها يتحرك من دون أن يقطر ذلك السم الذي بداخلها والعجيب أنها بدأت في الابتعاد عنه راغبة عن مداعبته. في تلك اللحظة بالذات تحجر جسمه وعلقت عيناه بالسماء ولم يعد يذكر سوى الاسماء التسعة والتسعين لخالقه.