الروائي والناقد وأخيرا وليس آخرا كاتب السيناريو ظافر ناجي يؤمن بأن الكتابة موقف من الحياة والتاريخ والمجتمع. هو موزع بين القصة والرواية والنقد إذ صدرت له مجموعتان قصصيتان : «المتاهة سنة 1992»، «المتاهة ثانية 2003» وثلاث روايات: «أرخبيل الرعب 1994»، «خفيف الريح 2001»، «حاجب المقام 2003».. وهي الرواية الحائزة على الجائزة الخاصة للجنة تحكيم كومار.. إضافة الى كتابين في النقد، الأول تأليف مشترك بعنوان «نبيل سليمان.. ربع قرن من الكتابة» 1996 والرواية «العربي بين واجهة التجريب وقفا التاريخ» 1998 وهو ذاته في كل المجالات الفنية التي خاضها يرتاح في كل الأعمال لأنه لا يرتاح أبدا، لديه وعي حاد بأنه خلق ليكون مبدعا وليس لديه حدود في الإبداع. منذ بداياته عمد الى التجاوز، سعى الى الاضافة اختار التفرّد الفني والجمالي من أجل أن ينحت كيانه الابداعي بكل الوعي والعمق والتجديد وهو يبدع النصر الأدبي من أجل الانسان دائما وأبدا فهو يلزم الذات الكاتبة بإحداث التسآول وتوليد الشرارة غاية في اعادة تحديد ،وصياغة المفاهيم وأملا في تجاوز سلبية الواقع المأزوم.. في زيارة الى زغوان التقيناه في هذا اللقاء. * الممارسة الأدبية قد تكون توثيقية للمجتمع وقد تكون تصفية حسابات فكرية أو اجتماعية أو سياسية.. فماذا عن ممارستك أنت وما هو الهاجس الأهم لتجربتك الابداعية؟ أولا، جيد اننا عدنا الى طرح مثل هذه الأسئلة يعني في علاقة الأدب بالواقع إذ ساد عند النقاد العرب في أواسط الثمانينات تصور ناتج عن إيمانهم بالمدارس البنيوية يعتقد في انغلاق النص وفي انعدام الفائدة من البحث خارج حدوده في حياة الكاتب. أنا لدي وعي حاد بالتاريخ وجيلي عاش أزمات كبرى على المستوى العربي والعالمي، أحداث حرب الخليج الأولى والثانية، قضية فلسطين، أحداث سبتمبر.. ولا أتصور أن كاتبا يغمض عينيه عنها فالكتابة موقف من الحياة والتاريخ والمجتمع بقي أن العمل الأدبي ابداعي فني لا تسجيلي ويفترض أن يكون للكاتب دور فاعل ومؤسس في رسم التاريخ الراهن. * ونحن نتحدث عن الدور المؤسس للكاتب يراودني سؤال عن تعامل صاحب النص المتجاوز مع الرقابة أو مع الثالوث المحرم لا سيما أن ذاكرتنا العربية تعيق في جانب منها الفعل الابداعي المتحرر عادة من النواميس؟ أنا ليست لدي مقدسات وإنما لدي وعي بالحد، أستطيع أن أخوض في كل المواضيع التي من المفترض أن نبتعد عنها بشكل فني متجاوز بعيد عن المباشرة ولعله من المفارقات المضحكة أن درجة الأمية في ارتفاع مستمر ونسب الابتعاد عن القراءة صارت مفزعة وهو ما يسمح بهامش من الحرية باعتبار نخبوية النص الابداعي.. تبقى اللعبة بين الأطراف التي تمسّ والتي لا تمس ما بين الكاتب وعالمه. * أثرت مسألة العزوف عن القراءة وتراجع قيمة الكتاب.. فلماذا تكتب ولمن تكتب؟ الكتابة عملية معقدة وبالضرورة عندما أكتب أفترض قارئا ناقدا يتفاعل مع النص بشكل يحفر داخله وقارئا عاديا يتعامل مع النص كحكاية. أكيد أننا نعيش أزمة قراءة لكن ليس إلى حد توقفنا عن الكتابة أنا أعتبر زمننا المعاش لحظة انتقالية إذ لدي جانب من التفاؤل في عودة الروح للكتاب كحضارة وتاريخ، في ا لوعي بقيم الثقافة والكتابة والأدب.. وسأظلّ أكتب في انتظار عودة الروح. * ولعلك في انتظار عودة الروح للكتاب الأدبي كقيمة فنية وإبداعية اخترت منهجا آخر يضمن لك انتشارا معرفيا وجماهيريا ألا وهو كتابة السيناريو..؟ أنا لا أعرف ماذا أريد عندما كتبت أول قصة قصيرة وأنا لازلت طالبا بكلية الآداب لم أكن أتصور أني سأكتب للصحافة ولا أن أعد برنامجا إذاعيا.. أنا كل هؤلاء، لا أرتاح في شكل أدبي واحد أتصور أني خلقت لكي أبدع أحيانا عندما أستمع الى معزوفة كبرى أقول لماذا لم أتعلم الموسيقى.. السيناريو جاء في هذا الاطار هو غير بعيد عن المناخ العام للقصة أو الرواية باعتبار أننا نحكي، الاختلاف أننا نكتب ليقرء، ليصور هي إذن مسألة تقنيات والحقيقة أن كتاب السيناريو في تونس منهم من جاء من الرواية مثل الأستاذ عبد القادر بالحاج نصر ومنهم من جاء من الشعر والفنون التشكيلية مثل الأستاذ علي اللواتي ولكن لازالت العقلية في تونس لا تسمح بتكوين نجوم بمعنى الواحد المتعدد. * كتبت سيناريو مسلسل «إخوة وزمان» بالاشتراك مع الممثلة وجيهة الجندوبي فكيف كانت ثنائية العمل بينكما؟ الشراكة في عمل ابداعي موحد ليس بسابقة في حد ذاتها فجبرا ابراهيم جبرا شارك عبد الرحمان منيف في أكثر من كتاب ابداعي.. ربما السابقة أن ما يجمعني بوجيهة أكثر من علاقة كاتب بكاتبة ولعل العلاقة الزوجية التي تجمعنا كانت منطلقا في نجاح العمل اذ هناك عاطفة عاكسة لعديد المستويات.. تقارب في الذوق في التصورات، في الحلم.. كما أن مسألة نرجسية الكاتب لا تطرح بيننا وأنا أراهن على أن وجيهة غير قادرة على ابراز جملة واحدة كتبتها بمفردها وكذلك الشأن بالنسبة لي. * من القصة الى الرواية الى السيناريو كيف كان تعاملك مع اللغة خاصة وأنها تختلف من جنس الى آخر؟ أتعامل مع كل جنس بتقنياته وآلايته ولغته ولكن بتصوري الخاص، أعي جيدا الحدود أتعامل مع التجريب ليس فقط كشكل فني وإنما كاستجابة لوعي تاريخي اجتماعي وسياسي أعمد الى بث أشياء من روحي حتى مع الاختلاف في الأجناس. * ظافر ناجي كاتب قصة، روائي كاتب سيناريو ناقد، إذاعي.. لماذا كل هذا التعدد.. ألا تخاف التشتّت؟ قد تكون قاعدة عامة أن يكون التعدد سبيلا للتشتت لكن في كل قاعدة هناك استثناء، أنا لا أتشتت لأني عندما أدخل عملا مهما كان أكون فيه إما القاص أو الروائي أو الناقد.. ثم أنا من الداعين الى مسألة تفرغ الكاتب وحرفية الكتابة إذ أفرض على نفسي وتيرة معينة من العمل حتى تصير الكتابة صنعة لأن الموهبة وحدها لا تكفي. * ليس بجديد أنه مع كل تألق ونجاح يزداد الاحساس بالمسؤولية.. أفلا يراودك خوف على المسيرة المستقبلية لظافر ناجي في أعماله المختلفة؟ أنا أشعر بالخوف نفسه مع بداية كل تألق ونجاح يزداد الاحساس بالمسؤولية.. أفليس لدي الحق في تقديم عمل عادي إذ الاضافة والتجديد الفكري الابداعي والفني الجمالي هاجسي مع كل عمل. صحيح أن النجاح يفترض مسؤولية أكبر وأعتقد أن مؤلفاتي كفيلة بإثبات إحساسي الواعي بالمسؤولية. * من منظورك ككاتب وكقارئ ما هي مقاييس نجاح العمل الابداعي؟ مقاييس النجاح متعددة فيها جوانب متفق عليها مثل سلاسة اللغة ومتانة البناء وأهمية الفكرة وفيها جوانب أخرى متعلقة بالذوق وبالحس الجمالي. التمييز بين الجيد والرديء من الأعمال يحتاج الى آلايت ومؤهلات علمية وإلى ثقافة شاملة وخلفية معرفية. * لنختم بسؤال تمنيت لو طرح عليك؟ لقد أتيت على كل الذي أردت قوله والذي لم أرد قوله فليس لدي ما أضيف.