مكتب الساحل الشروق اون لاين محمد علي خليفة: بين مدينة القلعة الكبرى وشجرة الزيتون تاريخ طويل وقصة عشق بدأت منذ قرون طويلة... ولأنّ من مهام السينما توثيق الذاكرة فقد فكّرت المخرجة هادية بن عائشة في إنتاج شريط وثائقي يتمحور حول الزيتونة ودورها في تاريخ القلعة الكبرى وفي المعيش اليومي بها. الفكرة بدأت في أكتوبر الماضي، حين اتصلت إدارة مهرجان الزيتونة الدولي بالقلعة الكبرى بكاتبة السيناريو والمخرجة هادية بن عائشة (وهي ابنة القلعة الكبرى) لبحث كيفية المساهمة في إثراء المهرجان، وقد اقترحت هادية بن عائشة آنذاك إنتاج فيلم وثائقي عن تاريخ المهرجان أو عن تاريخ القلعة الكبرى أو عن الزيتونة، وقد كانت الزوايا كثيرة والخيارات مفتوحة. وأكدت بن عائشة في لقاء ب "الشروق أون لاين" أنّها بدأت البحث منذ ذلك الوقت ووجدت أنّ للقلعة الكبرى تاريخا كبيرا لا نعرفه وأنّ الرومان عندما قدموا إلى الساحل التونسي منذ القرن الثامن قبل الميلاد غرسوا الزيتون في هذه المنطقة ثمّ بدأ العمران، فكانت الزيتونة سببا للعمران، وكانت هذه الفكرة هي المنطلق. وبما أنّ كل عمل إبداعي لا يخلو من دواع ذاتية فقد فتحت كاتبة السيناريو نافذة على الذاكرة واستحضرت تفاصيل من طفولتها خصوصا في عطلة الشتاء التي اقترنت بموسم جني الزيتون صحبة العائلة فكان الأطفال يساهمون بالتقاط حبات الزيتون وبيعها والانتفاع بثمنها لشراء كتب أو ملابس وكلّ ما يحلو لهم مع ما تعنيه تلك الأشياء من متعة. كما أنّ الزيتونة كانت خلال ذلك الموسم ولا تزال محور اهتمام أهالي القلعة الكبرى، فبالزيتونة تتحرك الدورة الاقتصادية ويصبح العاطل عن العمل "جمّاعا" ويشتغل أصحاب الشاحنات في نقل الزيتون وحرفيو الآلات الفلاحية التقليدية، وتتحرك الثقافة أيضا بما أنّ القلعة الكبرى تمتاز بمهرجان بلغ هذا الموسم دورته السابعة والثلاثين، وهو مهرجان الزيتونة الذي ينتظم تتزامنا مع موسم جني الزيتون، وبالتالي خلق هذا المهرجان، حسب المخرجة، عادة لدى أهالي القلعة الكبرى لحضور العروض الفنية والامسيات الشعرية والمحاضرات والمعارض، ومن ثمّة اشتغلت على المهرجان كذاكرة للقلعة الكبرى. وبخصوص تنفيذ الفكرة التي انطلقت منها أوضحت هادية بن عائشة أنّ "النص المبدئي يتضمن خطوطا عامة تم تدعيمها بشخصيات وأحداث وصور أخرى، وبالنظر إلى ارتفاع كلفة أي شريط وثائقي (فهي لا تقلّ عن 100 ألف دينار) وإلى تواضع الإمكانات المالية لمهرجان الزيتونة كان لا بدّ من إيجاد موارد أخرى للبدء في تنفيذ الفكرة التي كبرت في ذهني فحرصت على جمع بعض الموارد البسيطة من عائلتي ومن بعض الميسورين في القلعة الكبرى وبدأت التواصل مع الناس لقياس مدى تجاوبهم وتعاونهم، والحقيقة أنني لم اجد إلا الترحاب والتشجيع والتعاون مع مختلف الأطراف". وأشارت هادية بن عائشة إلى أنها أعدت الفريق التقني وتسلمت ترخيصا بالتصوير في الأثناء وانطلقت مباشرة في صلب الموضوع حال توفّر ما كانت قد أعدته في السيناريو حيث تم تصوير يوم كامل مع فلاح تقليدي بكل تفاصيله من "كريطة" و"قيطون" وآلات الجني التقليدية وأجوائه كما تم تصوير يوم للجني بإحدى ضيعات "فلاح عصري" وكذلك بإحدى معاصر الزيتون، ولم يغفل الشريط أيضا توثيق الموروث الثقافي للقلعة الكبرى وخصوصا "العرس القلعي" حيث تم تصويره بمختلف تفاصيله وعاداته. ومن المنتظر أن يكون الشريط جاهزا في غضون شهرين بعد الانتهاء من المونتاج وفربلة المادة وتصوير بعض الجزئيات التي لم تكتمل.