رجة أرضية في الجزائر    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    طقس الخميس: سحب عابرة والحرارة تتراوح بين 18 و26 درجة    بعد أزمة الكلاسيكو.. هل سيتم جلب "عين الصقر" إلى الدوري الاسباني؟    آخر ملوك مصر يعود لقصره في الإسكندرية!    قرار جديد من القضاء بشأن بيكيه حول صفقة سعودية لاستضافة السوبر الإسباني    قيس سعيد يستقبل رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    قيس سعيد: الإخلاص للوطن ليس شعارا يُرفع والثورة ليست مجرّد ذكرى    ل 4 أشهر إضافية:تمديد الإيقاف التحفظي في حقّ وديع الجريء    أخبار النادي الصفاقسي .. الكوكي متفائل و10 لاعبين يتهدّدهم الابعاد    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    ماذا في لقاء رئيس الجمهورية بوزيرة الاقتصاد والتخطيط؟    القبض على شخص يعمد الى نزع أدباشه والتجاهر بالفحش أمام أحد المبيتات الجامعية..    في معرض الكتاب .. «محمود الماطري رائد تونس الحديثة».. كتاب يكشف حقائق مغيبة من تاريخ الحركة الوطنية    تعزيز الشراكة مع النرويج    بداية من الغد: الخطوط التونسية تغير برنامج 16 رحلة من وإلى فرنسا    وفد من مجلس نواب الشعب يزور معرض تونس الدولي للكتاب    المرسى: القبض على مروج مخدرات بمحيط إحدى المدارس الإعدادية    منوبة: الاحتفاظ بأحد الأطراف الرئيسية الضالعة في أحداث الشغب بالمنيهلة والتضامن    دوري أبطال إفريقيا: الترجي في مواجهة لصنداونز الجنوب إفريقي ...التفاصيل    هذه كلفة إنجاز الربط الكهربائي مع إيطاليا    الليلة: طقس بارد مع تواصل الرياح القوية    انتخابات الجامعة: قبول قائمتي بن تقيّة والتلمساني ورفض قائمة جليّل    QNB تونس يحسّن مؤشرات آداءه خلال سنة 2023    اكتشاف آثار لأنفلونزا الطيور في حليب كامل الدسم بأمريكا    هذه الولاية الأمريكيّة تسمح للمعلمين بحمل الأسلحة!    تسليم عقود تمويل المشاريع لفائدة 17 من الباعثين الشبان بالقيروان والمهدية    رئيس الحكومة يدعو الى متابعة نتائج مشاركة تونس في اجتماعات الربيع لسنة 2024    تراوحت بين 31 و26 ميلمتر : كميات هامة من الامطار خلال 24 ساعة الماضية    مركز النهوض بالصادرات ينظم بعثة أعمال إلى روسيا يومي 13 و14 جوان 2024    عاجل/ جيش الاحتلال يتأهّب لمهاجمة رفح قريبا    الاغتصاب وتحويل وجهة فتاة من بين القضايا.. إيقاف شخص صادرة ضده أحكام بالسجن تفوق 21 سنة    فيديو صعود مواطنين للمترو عبر بلّور الباب المكسور: شركة نقل تونس توضّح    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    سيدي حسين: الاطاحة بمنحرف افتك دراجة نارية تحت التهديد    ممثل تركي ينتقم : يشتري مدرسته و يهدمها لأنه تعرض للضرب داخل فصولها    نابل: الكشف عن المتورطين في سرقة مؤسسة سياحية    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    عاجل/ هجوم جديد للحوثيين في البحر الأحمر..    أنس جابر تواجه السلوفاكية أنا كارولينا...متى و أين ؟    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل إلى النهائي رغم خسارته امام لاتسيو    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    نحو المزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي في ميناء رادس    فاطمة المسدي: 'إزالة مخيّمات المهاجرين الأفارقة ليست حلًّا للمشكل الحقيقي'    تحذير صارم من واشنطن إلى 'تيك توك': طلاق مع بكين أو الحظر!    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    وزارة المرأة تنظم ندوة علميّة حول دور الكتاب في فك العزلة عن المسن    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    فيروسات ، جوع وتصحّر .. كيف سنواجه بيئتنا «المريضة»؟    جندوبة: السيطرة على إصابات بمرض الجرب في صفوف تلاميذ    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تهميش تاريخي وصحوة جديدة
لنفتح الملف10:الأفلام القصيرة والوثائقية:
نشر في الشعب يوم 11 - 12 - 2010


بدأت السينما وثائقية وتسجيلية. وبدأت قصيرة كذلك.
لقد عُرض أوّل فيلم أمام العلماء يوم 22 مارس 1895 وأمام الجمهور يوم 28 ديسمبر من نفس السنة. وكان ذلك العرض في مقهى وتتكوّن الحصّة من 10 أفلام كلّها وثائقية.
وفي شهر مارس 1896 قدم إلى تونس أحد مصوّري الإخوة لوميار وقام بتصوير 11 فيلما طول الواحد دقيقة كانت تصوّر في النهار وتحمض وتعرض في نفس اليوم بمغازة المصور »صوليرس« بشارع فرنسا.
وكانت تلك الأفلام الأولى وثائقية:
وهي حسب أرقامها المثبتة في كاتالوج الإخوة لومير الذي راجعناه بأيدينا 207 الباي وحاشيته / 207 السوق / 208 سوق السمك / 209 سوق الخضر / 210 شارع باب الخضراء / 211 باب فرنسا / 212 نهج الحلفاوين / 213 نهج سيدي بن عروس / 214 ساحة باب سويقة / 215 سوق الباي / 216 سوق الفحم (بسوسة) 217 / محطّة قطار حمام الأنف.
والمتمعّن في هذه الأفلام يجد أنّ أوّلها سياسي الباي وحاشيته وأربعة منها أسواق وهي فضاءات تعجّ بالحياة والأزياء والخيرات (وللعلم أنّ فيلم سوق الفحم كان غلطا وقد أشرنا إلى الساهرين على متحف لُوميير وتمّ تصحيح العنوان إذ هو marchée au charbons (أي سوق زهور الأشواك) كتب Charbons ويقصد بذلك سوق الحلفاء وهي أوّل مرّة يصوّر فيها جمل على الشاشة في العالم ثمّ باقي الأفلام صوّرت شوارع وأنهج وساحات. ويدلّ تسلسل المواضيع في الأفلام الأولى التي صوّرت في تونس على أهميّة الفيلم الوثائقي ومروحة المواضيع المتطرّق لها.
وفي عام 1905 قدّم فيليكس مزغيش من فرنسا وهو يهودي من أصل تونسي إلى تونس وقام بتصوير تحقيقات عن كل من القيروان ومطماطة ومدنين وڤابس وجربة وسوسة، غير أنّ أي فيلم لم يصوّر في تونس.
وقد بدأت السينما كعروض في تونس في المعارض foire بآلات متنقّلة ثمّ في قاعتين عثرنا أخيرا على مراجعها وهي قاعة Juvenes Carthaguims بشارع الحبيب ثامر مكان بناية المالية اليوم وقد كانت قرب محطة قطارات المرسى وحلق الوادي مكان متحف العملة السابق. وقاعة أخرى في عدد 70 شارع جول فيري (الحبيب بورڤيبة حاليا).
كان العرض يدوم 20 دقيقة والفيلم إمّا وثائقيّا أو روائيّا لا يفوت عرضه تلك المدّة وقد يعرض على حلقات. ومنذ 1905 برزت سينما أخرى وهي مايسمّى الصحافة السينمائية أي تحقيقات وأخبار تعرض قبل العروض وقد احتركها بالنسبة إلى فرنسا وشركة الأخوة Pathé وشركة غومون Gaumont وهي أفلام مصورة تمثّل أخبار الأسبوع أي تلعب دور شريط الأبناء.وقد تمّ تصوير أوّل هذه الأفلام سنة 1911 بمناسبة زيارة الرئيس الفرنسي فاليير Fallière وذلك بمناسبة 30 سنة من انتصاب الحماية بالبلاد.
بعد الاستقلال
وتواصلت تلك الأفلام إلى غاية الاستقلال حين استبدلت بأفلام مماثلة على يد شركة العهد الجديد... وكانت تحمض في فرنسا وتعرض في الأسبوع الموالي قبل عرض الشريط الرسمي ثمّ انتقلت عملية التحميض والسحب من فرنسا إلى ايطاليا أثناء حرب بنزرت حتى أقنع أحمد بن صالح الرئيس بورڤيبة بإنشاء مخابر ڤمرت لتصوير نشاطاتها وفعلا تواصلت تلك الأفلام الأسبوعية حتى تفطّن المسؤولين على الشركة الوطنية أن تلك الأفلام تتضارب مع شريط الأنباء التلفزيوني الذي تبثّه يوميّا التلفزة التونسية التي بدأت بثّها عام 1966 وتحوّل جلّ مصورّي الشركة الوطنية إلى التلفزة وهكذا تحوّل إنتاج »الأحداث المصوّرة« إلى إنتاج أعداد خاصّة حسب مواضيع محدّدة تسمّى »مجلات سينمائية« Magazine هذا إلى جانب أفلام إرشاد وتوعية وتعليمية موجهة للمواطنين إذ كانت جلّ الوزارات لها وحدة إنتاجها السينمائي مثل وزارة الدفاع والتعليم والصحة والسياحة.
تراكم من الوثائق لابد من جمعها ورقمنتها وحفظها وتكشيفها وفهرستها وهذا ما ستقدمه في الحلقة الخاصة بالأرشيف.
بروز الفيلم القصير
طبعًا لم يكن هنالك حركة إنتاج أفلام روائية تونسية إلاّ ابتداء من عام 1966 بإنتاج فيلم »الفجر« لعمر الخليفي وتواصل الإنتاج في تواتر ضعيف لا يغطّي متطلّبات ال 114 قاعة وعديد قاعات دور الثقافة ودور الشباب.
غير أنّ جيلا من السينمائيين، تكوّن بعضه هنا وبعضه الآخر في المدارس الأوروبية، كان يطمح لتصوّر أفلام وثائقية أو روائية قصيرة وذلك لممارسة فنّهم واختصاصهم ورغبة في إرساء سينما وطنية إذ أنّ صورة التونسي والبلاد مغيّبة في الأفلام الأوروبية التي تصوّر في تونس، وتعتبر تونس مجرّد ستوديو لتصوير أفلام مغامرات وأفلام غرائبيّة exotiques ومن يومها إلى غاية كتابة هذه السطور لا نعرف عدد الأفلام القصيرة والوثائقية المنتجة ولايوجد جرد كامل ومدقّق بسنوات الإنتاج وأسماء والمخرجين والمنتجين والمواضيع... إذ أنّ هذه الأفلام لم تكن منتجة من قِبلِ الدولة والرجوع إلى سجّل رخص التصوير يدلّنا على ذلك، وعلمنا في التسعينات أنّ مسؤولاً غير واع تولّى رئاسة قسم السينما قَدْ رمى بأرشيف القسم بمخزن بباب سعدون فتلاشت وثائقه واندثرت ناهيك عن أرشيف الشركة الوطنية التي عثر عليها في مصب نفايات قرب ميناء العاصمة ولم يحتفظ المصفّون الاّ بوثائق المحاسبات والصناديق الاجتماعية. وإلى غاية 1974 وجدنا في وثائقنا ملّفا أعدّته »صوفية الڤلّي« (عندما كانت تعمل في إدارة السينما) وثيقة شافية ضافية تعطينا فكرة عن وتيرة الإنتاج وهي وثيقة مدقّقة. فتحيّة إلى تلك المناضلة في السينما التي كانت من أوّل مؤسسي »سينماتيك تونس« في آخر الخمسينات وبداية الستينات.
الأفلام الروائية القصيرة
أوّل فيلم روائي قصير كان مشروعا لم يكتمل وعنوانه »شبح للترويج« من اخراج سليم دريڤا الذي أسس شركة عام 1954 تحمل إسم »أفلام كارتاغو« لم يكتمل.
وستشهد تونس المستقلّة عام 1957 تصوير أوّل فيلم تونسي وهو من اخراج الفرنسي »روني فوتيمي« عنوانه »سلسلة من ذهب« وهذا الفيلم له قصّة تدلّ على أنّ السينما التونسية أسست على ضبابية مطلقة كتب قصّة الفيلم كاتب من المهدية.
الأفلام الروائية القصيرة
أوّل فيلم يحمل إمضاء مخرج تونسي كان عام 1954
كان ساسي رجب (وهو محّب للسينما) رئيس بلدية المهدية عام 1966 وباعث قاعة سينما الزهور بنفس المدينة وعضوا بمجلس النواب حتى أودع في السجن مع أحمد بن صالح عام 1969.
وأخرج الفيلم مغامر ومناضل من بريطانيا الفرنسية أبى إلاّ أن ينضم إلى حرب التحرير الجزائرية ليكوّن أوّل نواة سينما. وعندما قدم إلى تونس لم يعترف به أعضاء الحكومة المؤقتة في »غاردماو« (غار الدّماء) واعتبروه جاسوسا وأودع السجن بالدندان وهكذا أخذ لنفسه عوضا عن »روني فوتيي« اسم فريد الدنداني وقام بتصوير الفيلم أندري دومتر وقامت ببطولته معلّمة بنهج مرسيليا لتصبح في ما بعد من أهم نجمات السينما في العالم وهنّ »كلوديا كاردينال«.
وقصّة الفيلم بسيطة تتحدّث عن عالم صيادي المهدية بقواربهم البسيطة، يكتشفون أنّ أحد الرأسماليين اقتنى مركبَ صيدٍ كبيرًا يجلب صيدا وفيرًا فتكافلت النساء بجمع ذهبهنّ وبيعه لشراء مركب للصيادين.
والطريف أنّ عام 1962 عرض هذا الفيلم الذي مثّل تونس مدّة عشر سنوات في المهرجانات العالمية وأوّل فيلم تونسي يشارك في مهرجان »كان« غير أنّ الفيلم عرض عام 1962 ومخرجه مصطفى الفارسي.
ثمّ يردف »كريم الدنداني« فيلمه الأوّل بشريط »وكريم يحبّ لِبْلاَدْ« الذي كان عنوانه الأصلي »أحمد من بني هلال« صوّر في ڤابس وقام ببطولته علي بن عيّاد وفاطمة بن مبروك (كانت طالبة بمدرسة الفنون الجميلة) وهو من إنتاج الساتبيك تمرّن فيه السينمائيّون الشبّان حاتم بن ميلاد (مساعد) وحمودة بن حليمة (مستشار) وعمّار الخليفي (مساعد تصوير).
وفي نفس السنة شارك نورالدين المشري مع الفرنسي فرانسيس وارن في فيلم »عائشة« الذي مثّل تونس في مهرجان كان 1961.
هكذا بدأت الأفلام الروائية القصيرة محتشمة وسيصوّر عمّار الخليفي أوّل فيلم روائي قصير لحما ودما بعنوان »حليمة« الذي تحصّل على جوائز عديدة ويليه محمد القويضي الذي أخرج عديد الأفلام الوثائقية شريطًا روائيا قصيرًا بعنوان »الخطاب الافتتاحي« وهو نقد للخطب الجوفاء من خلال خطاب رئيس جمعية رياضية ويواصل عمر الخليفي إخراج »مأساة بدوية« الذي حشره في ما بعد في فيلم »صراخ« وسيفرض الصادق بن عائشة الفيلم الروائي القصير بفيلمه »الرسالة« الذي حصل على أوّل جائزة تونسية في مهرجان أيّام قرطاج السينمائية وفي مهرجان بيزارو وبعدها فيلم »غريب« 2 + 5 = 5 يتصارع على وصاية إخراجه كلّ من مصطفى الفارسي وعبد اللطيف بن عمّار وحسن دلدول غير أنّ ميلاد الفيلم الروائي القصير بأتمّ معنى الكلمة أتى على يد »حمودة بن حليمة« وذلك بفيلم »المصباح المظلم« عن قصّة لعلي الدّوعاجي وهو واحد من ثلاثة أفلام كوّنت فيلم »في بلاط الطرنني« مع فيلم »نزهة رائقة« إخراج فريد بوغدير و»الزيارة« للهادي بن خليفة.
غير أنّ ميلاد الفيلم الروائي القصير من صنف التجاوز والتدخل الاجتماعي فيلم أنتج في نطاق شهادة جامعية أثار ضجّة كبرى ومنع لسنوات ودفع صاحبه ليصبح من أغزر المخرجين التونسيين وهو »عتبات ممنوعة« إخراج رضا الباهي الذي قدم اغتصاب سائحة على قمّة صومعة الجامع الكبير بالقيروان.
غياب الثمانينات وعودة التسعينات
والطريف هو أنّ الأفلام الروائية القصيرة ستختفي مدّة عقدين لتعود في أواسط التسعينات وذلك بأفلام... وسوف يتربّع على عرش هذا النوع من الأفلام مخرجات وأوّل فيلم روائي قصير في التسعينات هو فيلم »من أجل المتعة« إخراج نادية الفاني وهو كذلك أوّل فيلم يتناول موضوع »المثليّة النسائية« جريء في معالجته وشريط قصير جميل ضمن فيلم جماعي »حرب الخليج وبعد« من إخراج النوري بوزيد وهو فيلم »شهرزاد« الذي أكّد أنّ النوري بوزيد مخرج مبدع في كلّ الاصناف حيث أنهى الفيلم في لقطة واحدة. ثمّ فيلم خالد البرصاوي (1992) نظرة ما وهو عاكس لمنحى هذا المخرج القادم من الهواية والذي يبحث دوما عن التجريب وفيلم »الإرث« للمخرجة نجوى التليلي التي هاجرت إلى كندا وفيه شيء من السيرة الذّاتية والجيلاني السعدي بفيلم »مساومة ليلية« (1994) الذي يُنبِئ بأسلوبه الذي سيتجلّى في فيلميْه المُوليَيْن »خرمة« و»عرس الذيب« وخالد غربال بفيلمه القصير الذي لو واصل في أسلوبه لأصبح مخرجا مهمّا وهو فيلم »المختار« عن إعداد طفل ليكون إرهابيّا. وسيتمّ اكتشاف »رجاء العماري« العائدة من باريس بفيلم »أفريل« وكذلك مهدي بن عطية مع زينامو ديانيو بفيلم في »الواجهة« (1998) وكمال الشريف المقيم في باريس بفيلم »أوّل عيد نوال« 1999 وكلّها أفلام أنتجها أحمد بهاء الدين عطية وفي نفس السنة سيخرج إبراهيم اللطيف أوّل أفلامه الذي يعلن فيه أسلوبه المائل إ لى السخرية بعنوان »ضحكة زائدة« (1990).
هكذا أُعيد إلى الفيلم الروائي القصير مجده غير أنّ العشرية الأولى من القرن الواحد والعشرين ستشهد طفرة نوعية في إنتاج الأفلام الروائية القصيرة وهي أساسًا إمّا أفلام خرّيجي المعاهد (سنة 2005) أو استعدادٌ وإمّا من قبَلِ مخرجين شبّان لخوض تجربة الفيلم الروائي الطويل ومنهم ملكا المهداوي بفيلم »خميسة« (2000) هنا قرب هناك (2002) لخاد البرصاوي وكذلك فيلمه »بنت الكيوسك« (2002) عن سيناريو للناقد كمال ونّاس والمأدبة لمحمد دمق و»راعي النجوم« (2003) لمراد بن الشيخ.
ويفتح فارس نعناع جيل الشباب بفيلمه »كاستينغ لزواج« (2004) و»الرجل ذو البدلة الصهباء« (2004) لفهد الشابي و»الرجل الضائع« للسعد الوسلاتي وقد كان اكتشافا ساعدته سلمى بكار لتحويل فيلم معاهد إلى فيلم محترف و»أيّام جميلة« (2005) لمريم ريفاي وفيلم case of vanihy الذي تمّ من خلاله اكتشاف سارة العبيدي وفيلمها »اللقاء« (2006).
وشباب آخرون مثل سلمى غنّوشي وعمر سبيكة، أنيس ڤيڤة وأنور لَحْوَارْ، وهيثم زكريا وخاصّة وليد مطّار الذي انتقل بسرعة من الهواية إلى الاحتراف كما فعل »وليد الطايع« كما ستبرز أسماء جديدة كان اكتشافها في مهرجان أيّام قرطاج السينمائية أعوام 2008 و2010 وستخصّص لها ملّفا كاملا.
الأفلام الوثائقية والتسجيلية
لماذا توثيقية؟ لماذا تسجيليّة؟ اللغة العربية وحدها من بين اللغات التي مهرت هذا النوع من الأفلام Documentaire بإسمين: تسجيلي أو وثائقي فمنذ أوّل فيلم وثائقي بأتم معنى الكلمة للمخرج روبرت فلاهرتي »نانوك« حتّى اليوم أصبح الفيلم الوثائقي فنّا قائم الذّات إلى أن قدمت التلفزة القمر صناعية وأصبحت عديد القنوات تختصُّ في هذا النوع من الأفلام وآخرها »الجزيرة الوثائقية« و»ناسينونال جيوغرافيك« بدبي وأهمّها »ديسكوفري« الأنڤليزية وHBO الأمريكية التي تنفق ملايين الدّولارات على الأفلام ويتمّ تصويرها في جميع أنحاء العالم.
تسجيلي؟ وثائقي؟ والقصّة العربية محقّة »فالدّوكمانتري« ينقسم إلى تسجيلي: أي عندما تتحرّك الكاميرا على عين المكان وتسجّل ما يجري من حياة الناس أو وقائع. وهذا النوع استحوذت عليه التلفزيونات في نوع جديد إسمه أفلام التحقيقات: »مبعوث خاص« envoyée spéciale في القناة الثانية الفرنسية و»كابيتال« و»منطقة محرّمة« في السادسة والتي اقتبستها من أشهر برنامج بدأت به التلفزة السويسرية ويعيش إلى حدّ اليوم: »الوقت الحاضر« وعدّة برامج تميّزت بها القناة الرابعة البريطانية وهكذا تأتي جلّ الافلام التونسية تسجيلية وهي أقرب إلى التلفزيون.
أمّا الأفلام الوثائقية فهي التي تعتمد على التصوير المباشر ثمّ استعمال الشهادات الشفوية: مثل الأحاديث مع مختصين والوثائق المكتوبة أو المعمارية أو اللوحات والنقوش وأدوات الحياة اليومية وخاصّة أفلام قديمة وذلك منذ قرن تقريبا والأفلام الوثائقية وراءها مؤلف وسيناريو محدّد.
وهكذا فإنّ الأفلام الوثائقية قليلة مع المدونة التونسية وأصبحت منذ فترة محلّ انتباه المخرجين الجدد لأنّها كوّنت مدرسة لها مهرجان عندنا إسمه Doc à Tunis.
أفلام الحشرجات الأولى
إذا استثنينا ما سميناه الجريدة السينمائية الفرنسية أو الأحداث التونسية التي كنّا شاهدناها كلّها في فترة إعداد شهادة جامعيّة وتملك جردًا كاملا لها ولابدّ أن تعود إلى تونس.
وعلى فكرة لما كنّا قد بحثنا عام 1978 كان المسؤولون عن الأرشيف في مخابر غومان يفرحون لقدوم الباحثين ويقدمون لنا الأفلام في علب تشاهدها على طاولة المونتاج.. لأنّهم يشعرون أنّ هنالك اهتمامًا بهذا النوع من الأفلام وبعد 20 سنة رجعنا إلى نفس المخابر لاقتناء حقوق بعض تلك الأفلام لصالح أحمد بهاء الدين عطية، فوجئنا أنّ ساعة المشاهدة وقد نقلت تلك الأفلام على فيديو رقمي وأنّ ساعة المشاهدة تبلغ 50 أورو وأنّ الدقيقة يبلغ ثمنها حسب البلد 5000 أورو فهذا الموروث ثمين وثمين.
قلنا إذا استثنينا هذا الموروث كانت العديد من الأفلام تصوّر في تونس وهي قليلة ومنها المهم كأفلام »كوستو« في مياه قليبية أو أفلام »صيد التوتة« لشمامة شكلي وخاصة أفلام البروبغترا في عصر حكومة فيشي.. ومنها فيلم »برنوس وشاشية«.
وعندما بعثت »ستوديوهات أفريكا« بالبلفدار كان هنالك برنامج كامل لتصوير أفلام تسجيلية حسب برنامج محدّد من أفلام تعليميّة وعلميّة وسياحيّة وقد أنتجت العديد من الأفلام (الشعب عدد 1096 2010/10/16 ص 31).
وعشيّة الاستقلال تأسست شركة »العهد الجديد« وأنتجت من عام 1956 و1963 ثلاثين فيلما من مقاسات مختلفة وهي كلّها افلام تسجيلية تعكس ملامح البلد بنظرة وطنية.. (الشعب عدد 1097 23 أكتوبر 2010 ص 34) وعندما تأسست الشركة الوطنية السّاتبيك عام 1958فقد اقتصر إنتاجها على الأفلام التسجيلية حتى بروز أوّل فيلم تونسي »الفجر« لعمر الخليفي إلى جانب الأحداث التونسية وهكذا سنجده عام 1956 فيلمين الأول لمحمد القويضي »المجلس التأسيسي« والثاني للهادي بن خليفة أوّل متحصّل على ديبلوم IDMEC (المدرسة العليا للسينما في فرنسا حول زيارة محمد الخامس إلى تونس وهي أوّل تظاهرة ديبلوماسية لتونس المستقلّة وعام 1958 كانت الأفلام حول »لماذا تنتجب« و»كيف تنتخب« بمناسبة إجراء أوّل انتخابات تشريعيّة وثالت الافلام 1959 (2) / 1960 (4 أفلامها جلّها حول حرب بنزرت) 1962 (4 أفلام) والقفزة الكبرى عام 1963 بإنتاج 13 فيلما لتعايش القطاع العام »السّاتبيك« والخاص »سيريس« تأسيس محمد بن اسماعيل وحمادي الصيد وأفلام محمد القويضي وأفلام عمر الخليفي لتتواصل عام 1964 (14 فيلما) و1965 (13 فيلما) و(1966) (16 فيلما) و1967 (18 فيلما) و1968 (15 فيلما) و1969 (17 فيلما) و1970 (20 فيلما) و1971 (9 أفلام) لاحتكار الدولة القطاع وتوقف الخواص 1973 (37 فيلما) بما فيها الروائية وتبقى على ذلك النسق حتى عام 1980 عندما يشرع في التفكير في تحويل المخابر إلى ألوان وأسماءالمخرجين تعطينا فكرة عمّن كان يسجل تاريخ تونس المصور وهم حسب أول فيلم محمد القويضي (1956).
الهادي بن خليفة (1956) خالد عبد الوهاب (1958) نورالدين المشري (1959) حاتم بن ميلاد (1960) عمّار الخليفي (1960) أحمد حرز اللّه (1963) حمودة بن حليمة (1963) حمادي الصيد (1963) عبد القادر بن رمضان (1964) حسن دلدول (1965) الصادق بن عايشة (1965) عبد اللطيف بن عمّار (1966) المنجي صانشو (1967) أوّل فيلم صور متحركة لطفي العيوني (1969) عبد الجليل الباهي (1968) حميدة بن عمّار (1969). وهذا الأخير (أي حميدة بن عمّار) هو الذي فتح باب مدرسة السينما الوثائقية وليست التسجيلية وفي الثمانينات اقتصر تصوير الأفلام التسجيلية على أحمد بهاء الدين عطية وعبد اللطيف بن عمّار الذي سيؤسس شركة بعنوان »لطيف للإنتاج« مع ممارسته إخراج الأفلام الروائيّة الطويلة وبروز عبد الحفييظ بوعصيدة الذي أخرج من 1974 إلى سنة 1990 حوالي عشرين فيلما جلّها إنتاج مشترك مع تشيكوسلوفاكيا ومدونته تغطّي جلّ أوجه الحياة والجهات في تونس.
أمّا التسعينات فشهدت بروز مخرجات مهتمّات بالأفلام التسجيلية وهنّ كلثوم بارناز وفاطمة سكندراني ونادية الفاني وسلمى بكّار ومنيرة بحر وكذلك مخرجين قدموا من فرنسا وعلى رأسهم المختار العجيمي ومحمد الزرن ومحمد الشرباجي ومخرجين أتوا من الهواية كخالد البرصاوي ومراد بالشيخ ومحمّد دمق.
وسوف تواصل الأفلام التسجيلية تطوّرها في العشرية الأولى من القرن الواحد والعشرين بأفلام الهواة (سنفرد لهم حلقة) وأفلام الشباب والمدارس (حلقة خاصّة مرّة أخرى).
وإذا قرأنا مدوّنة الأفلام القصيرة سنجد ثلاث محاور:
الأفلام الروائية القصيرة
الأفلام التسجيلية
الأفلام الوثائقية
وهذا الصنف الأخير يشدّ الاهتمام إذ أصبحت له مدرسة قائمة الذّات في تونس يتربّع على عرشها حميدة بن عمّار، فنّان الأفلام الوثائقية، ومعه مخرجون كبار أبَوْا إلاّ أن لا ينقطعوا عن الأفلام الوثائقية مثل محمود بن محمود، عبد الحفيظ بوعصيدة، والطيب الوحيشي ومحمد الزرن وفاطمة سكندراني وسلمى بكار والمختار العجيمي، وابراهيم باباي في فيلم وحيد.. هذا إذا استثنينا مخرجي التلفزيون ولنا عودة لهم.
أمّا حميدة بن عمّار الذي أبدع في أفلام مثل الخط العربي (1971) مع محمد عزيزة (1975) وخاصّة رائعته الزيتونة في قلب تونس (1980) وهو أوّل فيلم تسجيلي روائي Docufiction استعان فيه بممثلين مهرة وفيلم من قرطاج إلى القيروان (1982) والرباط (1986) وعلي باللاّغة (1989) ولا ندري لماذا توقّف عن الإنتاج.
وعبد الحفيظ بوعصيدة هو ملك الافلام الوثائقية الأكاديمية وهو خرّيج أحد أهم مدارس السينما في العالم: تشيكسولوفاكيا التي تدوم فيها الدراسة سَبْعَ سنوات فقد غطّى كلّ أوجه الحياة اليومية والمواقع في تونس.
أمّا الطيب الوحيشي فقد تمسّك بسينما وثائقية تعلّمها هو ورضا الباهي عن الأستاذ الكبير »جان روش« ومن خلال السينما الوثائقيّة تمّ اكتشافه في أوّل فيلم »قريتي« (1972) والخماس (1975) أردفها بعدّة أفلام صوّرها في إفريقيا السوداء.
❊ وفرض المختار العجيمي نفسه بأفلام وثائقية أكاديمية عرضت في التلفزيونات العالمية أولها »السينما الاستعمارية« 1997 و»الحنّة« (1999) والرقص الشرقي (2000) ومقاهي الشرق (2000) وآخرها أفلام عن النجم الساحلي و»لتحيا السينما) 2010.
❊ ويتميّز محمود بن محمود بدقة عالية في معالجة مواضيعه، »انزتازيا... من بنزرت« (1996) و»الفاضل الجعايبي، مسرح حرّ (1998) بايات تونس (2007) ووجد (2001).
❊ ويبقى محمد الزرن من أهم مخرجي الأفلام الوثائقية الذي حقّق نجاحا عالميا وحاول توزيع الفيلم الوثائقي مثل »زرزيس« في قاعات السينما بداية من كسار الحصن (1989) »بانيبال« 1993 الذي تمّ به اكتشافه حتى '»زرسيس« (2009) مرورًا بأغنية مرورًا بأغنية الألفيّة.
❊ ويبقى هشام بن عمّار في صدارة من أراد التخصّص في الأفلام الوثائقية التي يقوم بإنتاجها وإخراجها وحده معتمدا على آلاته وهي أفلام شدّت الانتباه أوّلها »كافيشانتا« 1989 و»نساء في عالم كرة القدم« (1998) و»رايس البحار« (2002) و»كان يا مكان« (2009) وهو يتميّز بأسلوب متفرّد وخاص ودقة في اختيار المواضيع.
❊ ❊ ❊
هذه هي مدونة الأفلام القصيرة لابدّ من العودة لها على المستوى الوطني لتفهرس وتحفظ و»تُرقْمَنَ« فهي ذاكرة مهمّة أكثر من الأفلام الروائية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.