تدريجيا، وعلى الرغم من التصريحات الانتصارية التي يطلقها أفراد إدارة الرئيس الامريكي بشأن العراق و»تحرّر» شعبه من نير «الديكتاتورية»، بدأت أقدام المحتل الامريكي تغوص في المستنقع العراقي. مسؤولون عراقيون عديدون، من النظام العراقي الموالي للاحتلال، لا يستبعدون امكانية اللجوء الى فرض الاحكام العرفية في العراق لمواجهة ما يسمونها حالة «الانفلات الامني وعمليات السطو والنهب»، تدريجيا، ويجد الاحتلال الامريكي والمتعاملون معه من العراقيين، أنفسهم، وجها لوجه مع حقيقة رئيسية يرفضون الاعتراف بها، وهي ان وجودهم، هو وجود غير مرغوب فيه، وانهم مرفوضون من قبل الشعب العراقي، وانهم على الرغم من كل الادعاءات، إنما يسيرون بالعراق وشعبه الى الخلف، وخاصة على مستوى الحريات، التي يقولون انهم، عبروا المحيطات وحرّكوا الاساطيل من أجل توفيرها للشعب العراقي! ففرض الاحكام العرفية يعني إطلاق النار والقتل لمجرد الاشتباه وهي تعني أيضا تحديد كل الحريات دون استثناء، من التنقل، الى التعبير الى التظاهر، الى أبسط الحقوق الاساسية التي تصبح محددة طبقا لرؤية الحكومة المؤقتة، ومحرّكها الحقيقي، الحاكم الامريكي. والاحكام العرفية، تعني نظريا، تعليق العمل بكل القوانين، وإن كان الاحتلال قد علّق العمل بكل القوانين العراقية، وحل كل مؤسسات الدولة. بل ان خيار فرض الاحكام العرفية، يُطرح في وقت بدأ فيه العد التنازلي لتسليم «السيادة» الى العراقيين، ولإيجاد «دستور» وإجراء «انتخابات»، لتكون الصدفة غريبة وفي منتهى التناقض، من منظور «المحرّرين» الذين قدموا الى العراق. والخطوة كانت منتظرة، وهي حتمية، لانها مرحلة جديدة، ينبغي أن يمر بها الاحتلال، أي احتلال، في سعيه المحموم، لانهاء إرادة المقاومة لدى الشعب المحتل. غير أن الملفت للانتباه ان التورّط الامريكي في المستنقع العراقي لم ينتظر طويلا، ليحدث، كما كان الامر، في قصص الاحتلال ببلدان عديدة، فخلال أشهر قليلة فقط، تسارعت الاحداث في العراق، لتدفع بالمحتل، الى المربع الاخير، مربّع «الدفاع عن النفس» وفقدان المبادرة، وهي وضعية قد تدفعه الى ارتكاب المزيد من الحماقات، كما حدث بالامس، عندما قامت الطائرات بقصف المدنيين في الفلّوجة.