منذ يومين هزني الشوق لمعاودة مشاهدة شريط سينمائي في واحدة من قاعات العاصمة... وكنت أظن أنني اخترت القاعة النموذجية خصوصا وأنني أعرف جيدا أنها خضعت شأنها شأن بعض القاعات الى برنامج التأهيل الذي وضعته وزارة الثقافة والشباب والترفيه، وصرفت فيه مئات الملايين من أجل اصلاح هذه الفضاءات التي كادت تصبح خربا مهجورة من فعل أصحابها!... ماذا وجدت؟!.. شاشة ظلماء على مستوى الجانبين الأيمن والأيسر، وصورة غير واضحة وصوتا متقطعا لا علاقة له «بالدولبي» كما يتبجح أصحاب القاعة... أما الفيلم فقد أخطأ العون المكلف بالبث في ترتيب أجزائه (البوبينات) بحيث ظهرت أحداثه متداخلة! غادرت القاعة وأنا أتساءل : ألم يتفطن أعوان المراقبة التابعة لوزارة الثقافة الى هذا الوضع خصوصا وأن واحدا منهم اعترضني مباشرة قبل الدخول الى القاعة وحدثني عن التحضيرات التي تقوم بها الوزارة وخصوصا على مستوى تهيئة القاعات استعدادا لأيام قرطاج السينمائية... **من يفكر؟ الكل بات يعلم أن السينما في تونس، وتحديدا سينما القاعات انتهت ولم تعد تستقطب الجمهور إلا في المناسبات ولكن ما يثير الاستغراب والدهشة، هو أن أصحاب القاعات والموزعين ووزارة الثقافة ذاتها، ما زالوا يتحدثون عن استقدام الأفلام الجديدة، وتوزيعها في المهرجانات والاستعداد لأيام قرطاج السينمائية. ألم يفكر واحد منهم في القاعات التي أغلقت أبوابها بلا رجعة مثل قاعة الشانز اليزي التي لفظت أفلامها الأخيرة منذ أسابيع؟! ألم يفكروا في الجمهور الذي أصبح لا يلتفت الى السينما حتى من باب الفضول؟ ألم يفكروا في القاعات التي ستحتضن عروض أيام قرطاج السينمائية وهي على هذه الحالة؟ ألم يفكروا في الجمهور الذي سيتوجهون اليه بمهرجان أيام قرطاج السينمائية؟ ألم يفكروا في السينما والقاعات بعد عام أو عامين؟! أسئلة تدوخ فعلا وما يدوخ خصوصا هو أن وزارة الثقافة وأصحاب القاعات والموزعين يعرفون أن السينما ماتت ومع ذلك يتمادون في تجاهلهم للوضع بل يوهمون الناس أنها لم تمت بل تعاني من توعك طفيف قابل للعلاج. **مسكنات ويبدو أن العلاج وهو أشبه بعلاج مرض السرطان أو السيدا في آخر مراحله هو في عرض الأفلام في المهرجانات الصيفية والتظاهرات السينمائية والنوادي ودور الثقافة وفي بعض القاعات التي ما زالت تعيش من فتات المنظمات والجمعيات الأوروبية... ولكن إلى متى ستظل هذه الفضاءات تحتمل مريضا في أيامه الأخيرة؟! الأكيد أن المسكنات ستنفد والمريض سيموت طال الزمن أو قصر... نصيحة إلى أهل القطاع والمسؤولين كفى وهما وأحلاما، لأن المرض اذا تملك الجسم، سيقضي عليه آجلا أو عاجلا... وقتها ستصبح القاعات مقابر والسينما قبورا نزورها في المحافل والمناسبات السينمائية هذا اذا بقيت مهرجانات للسينما!