للمرة الثانية في ظرف سنة أو أقل كان الملجأ الوحيد لبعض المخرجين السينمائيين التلفزة.. ولعرض أفلامهم على الشاشة الصغيرة قبل الشاشة الكبيرة... وهي سابقة خطيرة تتناقض مع التقاليد العالمية في توزيع الشريط السينمائي... إلى درجة أنك تتساءل هل هذه الأفلام سينمائية أم أشرطة تلفزية؟ حصل الأمر من البداية مع فيلم «صندوق عجب» للمخرج رضا الباهي ولم يعرض بالقاعات السينمائية... بل عرض لأول مرّة في تونس بعد أيام قرطاج السينمائية على الشاشة الصغيرة وتحديدا على قناة تونس7... ونفس الأمر حدث منذ يومين مع فيلم «الكتبية» للمخرج نوفل صاحب الطابع... حيث تابعه الجمهور في التلفزة قبل عرضه في قاعات السينما.. مسؤولية الموزعين وسواء كان الأمر بالنسبة إلى المخرج نوفل صاحب الطابع أو رضا الباهي فإنّ هذا الحلّ ضرورة قصوى أمام الأبواب المغلقة للموزعين... حيث يعتمدون أسلوب المماطلة وعدم الوضوح تدريجيا حتى الوصول إلى الجواب الصريح وهو رفض عرض الفيلم التونسي لأسباب تجارية تتعلق بمنطق الشباك... وبعد أن بدأ هؤلاء الموزعون بسحب بعض الأفلام من القاعات في أسبوعها الأول من العرض وحصل هذا مع أفلام عديدة... تطورت سياسة الموزعين وأصحاب القاعات إلى الرفض مباشرة... لكن أمام هذا التعامل السلبي مع الفيلم التونسي الذي تنتجه بالأساس وزارة الثقافة اعتبارا لنسبة الدعم الهامة (أكثر من 30) هل يكون لها تصرّف آخر مع أصحاب القاعات والموزعين... فهل ستدخل في المستقبل لفرض الفيلم التونسي أو ستسحب منحها وامتيازاتها من أصحاب القاعات... فهل تجد الوزارة حلا لهذا الأمر حتى لا يجوع الموزع ولا يشتكي المخرج.. خسارة مادية وربح معنوي صحيح أن صاحب الفيلم يخسر القاعة السينمائية وتقاليدها ويخسر أيضا مداخيل الشباك في السينما عندما يعرض الفيلم في التلفزة.. لكن الأكيد والثابت أنه يجني أكبر نسبة مشاهدة باعتبار أن التلفزة هي قناة الجماهير... ونسبة مشاهدة الفيلم في التلفزة أكبر بكثير من مشاهدته في قاعات السينما اعتبارا للبث الفضائي للتلفزة ولعدد المتابعين له... لكن هل تعوض آلاف الجماهير المتابعة للفيلم آلاف الدينارات التي «صرفت» في تكلفة الفيلم. قد يكون هذا السؤال الأخير مقدمة لأسئلة أخرى جوهرها من يتحمّل ا لمسؤولية في هذه السابقة ا لخطيرة من التعامل مع الفيلم التونسي... هل هو المخرج السينمائي الذي هو مطالب بتعديل رؤاه والخروج من أفلام السيرة الذاتية.. أمّا أن الموزعين لايضعون في اعتبارهم إلاّ الربح المادي ولا يشجعون الأفكار مطلقا والفيلم التونسي خصوصا. الأمر الآخر الذي هو في أتم الأهمية يتمثل في أنّ المشاهد الساخنة أو الحمراء والعراء لم تعد ورقة رابحة لجلب الجمهور أمام القنوات الفضائية المتخصصة في هذا الأمر... زيادة على أنّ التقاليد السينمائية بدأت تتقلص وتنعدم وهذا راجع بالأساس إلى العدو الجديد للسينما وهو التلفزيون.. الذي أصبح يعرض عليك الفيلم وأنت في البيت ويفور عليك. يبدو أن هذه القضية التي بدأت تحبط عزائم السينمائيين في تونس تحتاج إلى دراسة ونظر...