توجد للقلق أنواع كثيرة حصرنا منها أربعة وهي القلق النفسي والقلق الوجودي والقلق العادي والقلق السياسي. فأما النوع الأول فانه علة يولدها الاحساس بالفراغ النفسي والروحي وقد تطور الى الاصابة بالاكتئاب. وأما الثاني فإنه ينشأ عن حيرة الانسان تجاه دوافع حياته وأهدافها ومآلها وكيفية اثبات وجوده. وأما الثالث فتجده حيثما ذهبت اذ لا تكاد تفتقده ادارة او مقهى أو منزل ولا يكاد ينجو منه كبير أو صغير ولا ذكر او أنثى لهذا صارت لفظة «قالق» من أكثر الالفاظ شيوعا وتداولا في ما بيننا. لكن الامر لا يبعث على الحيرة لان التونسيين المشهود لهم بالكفاءة والتفوق اوجدوا لهذا القلق حلولا كثيرة ناجعة منها قتل الوقت بلعب الورق او اعدامه بالتهام قلوب عباد الشمس او تمضيته في حل الكلمات المتقاطعة او قهره بتقطيع فلان وترييش فلتان. المشكلة المعقدة والمحيرة والمقلقة حقا ترتبط بالنوع الرابع (السياسي) وهذا النوع لا يهم التونسيين كسابقه بل هو عربي أصيل ومتأصل. والجدير بالملاحظة ان العرب لا يحاولون اخفاءه او السكوت عنه بل يعلنون عن اصابتهم به كلما سنحت الفرصة. يكفي ان تتساقط أرواح الابرياء في العراق او فلسطين حتى ينتفض العرب من المحيط الى الخليج ليعبروا عن «قلقهم الشديد» تجاه ما حدث أو يحدث على ان هذا النوع من القلق لا يضر بصاحبه مهما طالت مدته او اشتدت حالته بل انه يرهب العدو والدليل ان الاسرائيليين مثلا يرتعدون ويضطربون ويعضورن أصابعهم ندما ويصابون بالأرق والسهر والحمى كلما استمعوا الى عبارات القلق. انظروا الى هذه الصور الرائعة التي تشرفنا وترفع رؤوسنا عاليا، نحن نقلق فإذا بهم يستكينون، نزيد في قلقنا الشديد فتزداد استكانتهم نزمجر معلنين للعالم كله عن قلقنا الشديد فيتداعى لنا بين مسترحم ومستعطف ومستغيث. رحم الله من ابتكر هذا السلاح العجيب فهو أنجع من الحروب والمقاطعات الاقتصادية والسياسية وعبارات التنديد والاستنكار، ولكن حبذا لو قللنا من استعماله الا ترون ان الاكثار من أمر ما يجعله مقلقا.