تناقلت وكالات الأنباء يوم الخميس الماضي (17 6 2004) خبرا مثيرا، مفاده أن باحثين في الولاياتالمتحدةالأمريكية اكتشفوا قدرة أحد «الجينات» على جعل الذكور يكتفون بأنثى واحدة. ظهر البحث في مجلة Nature الشهيرة. ويقول العلماء إنهم أجروا اختبارات عديدة على جرذان «لعوب» شديدة الشبه بذوي «العيون الزائغة» من بيننا نحن الرجال. وقد تم التركيز على هورمون «الفزوبرسين» الموجود في المنطقة الخلفية من المخّ لتحديد العنصر المسؤول عن رغبة هذه الجرذان (أو عدم رغبتها) في «تبديل السروج» الزوجية. وبعد أن تمّ تحديد «الجين» المطلوب قام العلماء بزرعه في أجسام الجرذان «الخائنة» فإذا هي أقل بحثا عن المغامرات العابرة وأكثر وفاء وإخلاصا لشريكة حياة واحدة وأكثر قدرة على انشاء «علاقات زوجية» طويلة المدى. قرأت الخبر فتوقعت أن يصبح حديث الجميع وخبر الساعة، باعتباره من الأخبار التي تهم المجتمع البشري في مختلف مجالاته. طبعا، تحفظ الكثيرون على نتائج البحث المذكور. وقالت الدكتورة «غليت لازار» المختصة في علاج المشاكل الزوجية إن الخيانة تنشأ عن أسباب كثيرة، من بينها انعدام الحوار بين الزوجين أو العلاقات الجنسية المختلة أو إحساس أحد الطرفين بالنقص، مؤكدة على صعوبة التصديق بأن للخيانة سببا واحدا وحيدا، معتبرة امكانية وجود «جين» خاص بالخيانة أقرب إلى الخيال العلمي. اثارني الخبر على الرغم من ذلك كلّّه، وتوقعت أن يحتفل به الجميع شرقا وغربا وأن يكون له وقع الصاعقة على هواة ذلك النوع من السياحة التي أطلق عليها ميشال هويلباك اسم «السياحة الجنسية». ثم خطر لي أن البشرية التي أتقنت تحويل وجهة الاكتشافات العلمية، قد تفلح في تحويل وجهة هذا الاكتشاف أيضا لتجعله ينتقل من مجال العلاقات بين الرجل والمرأة إلى مجال العلاقات بين الساسة وشعوبهم أو بين الدول وجيرانها أو بين الانسان وأخيه بشكل عام. وقلت لعلّه يؤثر أيضا في بعض مفكري «آخر زمن» الذين برعوا في نوع من «السياحة الفكرية» الداعية إلى خيانة كلّ المبادئ والقيم والأفكار باسم الواقعية والتجدّد. ولعلّ أكثر ما شدني إلى هذا الخبر، الأمل في أن يتمكّن «الجين» المذكور من إعادة الاعتبار إلى كلمات مثل «الوفاء» و»الصدق» و»الجمال» و»المعرفة» و»الاختلاف» و»الحرية» و»العمل» و»المقاومة»، هذه الكلمات التي يريد لها البعض اليوم أن تصدأ على رفوف المادة والتدجين، وأن تتلف في أوهام الربح والاستهلاك، وأن تنهزم أمام املاءات القوة والاخضاع، وأن تعمّر أسواق الخردوات وخنادق المزابل. إلا أن شيئا من هذا لم يحدث. قوبل الخبر بالتجاهل والتكتّم في أغلب أصقاع الدنيا. وشيئا فشيئا اكتشفت أنه خبر أحزن الكثيرين، إذ رأوه يبشّر بالعديد من السلبيات التي لا يحتاج منهم اكتشافها إلى جهد كبير. يكفي أن يتخيلوا هذا «الجين» وقد أصبح فجأة متاحا لجميع نساء العالم في شكل حبوب يذوبنها في فناجين رجالهن على غفلة منهم. يكفي أن يتخيلوا العالم وقد أصبح فجأة بدون خيانة شبيها بمسكن الملائكة تسود علاقاته العشرة الطويلة الطيبة. كيف «يديرون الدولاب» حينئذ؟ وماذا يفعلون بنميمتهم ودسائسهم؟ وكيف يضمن مصّاصو الدماء منهم ترويج أسلحتهم وإشعال حروبهم؟ ولمن يبيع تجارهم «الفن» الرخيص و»الثقافة» المغشوشة والبضاعة الفاسدة والأحلام «الستار أكاديمية»؟ وكيف يؤمن المضاربون تسمين حساباتهم البنكية؟ وقس على ذلك ما شئت من الأسئلة. أما إذا بقي لديك، عزيزي القارئ، بعض الشك في أن هذا الاكتشاف قد يغير وجه العالم، فتخيل معي ذاك الجراد من المتفلسفين الذين لابدّ أن ينجبهم مثل هذا «الواقع الجديد». جراد من المتفلسفين يفتون في أن العالم يحتاج إلى الخيانة كما تحتاج الحياة إلى الموت، وآلاف من الكتاب والمتشاعرين يهجون حياة تدعو إلى التثاؤب في عالم لا خيانة فيه. ما أن بلغت هذه النقطة من هذا النص، حتى بدت لي الكلمات تتناثر على الورقة متوارية بعضها خلف بعض مدارية عنّي ابتساماتها الماكرة. قبضت على «حزمة» من الكلمات، كيفما اتّفق، وألزمتها أن تطلعني على جلية أمرها ففاجأتني بسؤال ماكر: هل تتحدث عن عالم سيتغير وجهه أم عن عالم تغيّر وجهه منذ زمن وهو غافل، حتى ارتطم بالحائط، الحائط الساقط، وحتى باتت «ثقافته» لا تتجسّد في شيء كما تتجسّد في «مديح الخيانة»؟