مدنين: أكبر رحلة لأبناء تونس بالخارج تغادر مساء اليوم ميناء جرجيس    الأمم المتحدة تعلن رسميا تفشي المجاعة في غزة... ماذا يعني ذلك والمقاييس المعتمدة والتداعيات    أسطول الصمود المغاربي يفتتح اليوم الجمعة حملة تبرعات لتغطية مصاريف المشاركة التونسية    الرابطة الأولى: نتائج الأشواط الأولى من الدفعة الثانية للجولة 3    بطولة العالم للكرة الطائرة أقل من 21 سنة: هزيمة ثانية للمنتخب التونسي أمام إندونيسيا    اليوم انطلاق عملية التسجيل عن بعد بالمبيتات والمطاعم المدرسية للمرحلة الاعدادية والثانوية    فائض الميزان التجاري لمنتوجات الصيد البحري يتقلّص خلال النصف الأوّل من 2025    نسبة امتلاء السدود تقدّر ب31،9 بالمائة إلى يوم 15 أوت 2025    عاجل : رصد هلال شهر ربيع الأول 1447 ه غدا السبت    مقترح لتنقيح مجلة الأحوال الشخصية: نحو مراجعة النفقة والحضانة المشتركة    عاجل/ هذا موعد المولد النبوي الشريف فلكيا..    صابة التفاح في القصرين ترتفع الى 62 ألف طن..#خبر_عاجل    تجميع حوالي 11،800 مليون قنطار من الحبوب إلى موفى جويلية 2025    عاجل : طليقة وائل الكفوري تثير الجدل بهذه الرسالة    عاجل/ الجامعة العربية تطالب بتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته..    حجز حوالي 3300 مكيّف غير مطابق للمواصفات    موعدُ رصد هلال شهر ربيع الأوّل..    عاجل - مباراة الإفريقي و الترجي الجرجيسي : تفاصيل التذاكر و الأسعار    النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين تستنكر "التعتيم الإعلامي على مسيرة اتحاد الشغل..    بالفيديو: إليك كلّ مراحل تسجيل طفلك بقسم التحضيري    أكثر من 212 كغ من الكوكايين والقنب الهندي في قبضة الديوانة..    المكلف بتسيير وكالة التكوين المهني يفجرها: حجم التهاون المسجّل في بعض المؤسسات لا يمكن التغاضي عنه..#خبر_عاجل    أخطاء شائعة في تعبئة البنزين وكيف تتجنبها    تونس: إخضاع عيّنات من المستلزمات المدرسية للتحاليل    تونس تختتم مشاركتها في بطولة إفريقيا لرفع الأثقال برصيد 30 ميدالية    البروتين الزايد ينجم يقتل عضلاتك قبل ما يبنيها...معلومات متفوتهاش    رئيسة الحكومة تلتقي برئيس الجمعية اليابانية للاقتصاد والتنمية بإفريقيا وبشركات يابانية    عاجل/ نشرة متابعة للوضع الجوي: خلايا رعدية وأمطار بعد الظهر بهذه الولايات..    الرابطة الأولى: تشكيلة النادي البنزرتي في مواجهة نجم المتلوي    مونديال تحت 17 عاما - احمد الذويوي يمثل التحكيم التونسي    الرابطة الأولى: تشكيلة النادي الإفريقي في مواجهة الترجي الجرجيسي    الحماية المدنية: 101 تدخلا لإطفاء حرائق خلال ال 24 ساعة الماضية    للمرة الأولى..الأمم المتحدة تعلن رسميا المجاعة في غزة    الدكتورة سارة حرباوي للتونسيين: فطريات الأظافر مرض صامت يهدّد الصحة    الديوانة التونسية: هذه الأسباب تجعل تونس أكثر عرضة لظاهرة التهريب    ثلاثة قتلى من عائلة واحدة في حادث مرور مروع..#خبر_عاجل    رئيس الجمهورية: التعليم حق كل طفل تونسي ويجب توزيع الكراس المدعم بالعدل    أحلام للتونسيين :''رجعني الحنين لأول مسرح ركح قرطاج نحبكم برشا وحسيت اني بين اهلي وفي بلادي''    عاجل/ الداخلية الليبية تعلن إحباط محاولة استهداف مقر البعثة الأممية بصاروخ..    عاجل/ بعد زيارته لمكان اعتصامهم: هذا ما وعد به رئيس الجمهورية الدكاترة المعطلين..    عاجل/ الرابطة الثانية: الجامعة تكشف عن تركيبة المجموعتين..    حادث مرور مأساوي بطريق الهوارية: وفاة أب وابنتيه    561 تدخلًا للحماية المدنية في 24 ساعة!    قيس سعيد: الاستعجالي للجميع...دون إجراءات مسبقة    ليس الجفاف فقط/ دراسة تكشف حقائق خطيرة عن ما يحصل للجسم عند اهمال شرب الماء..!    ماذا يحدث في الدماغ عند تعلم شيء جديد؟    زلزال بقوة 7.5 درجات يضرب قبالة سواحل تشيلي الجنوبية    مادورو يعلن تعبئة الميليشيا الوطنية البوليفارية في فنزويلا    من بينها مستشفى الرابطة ومعقل الزعيم: رئيس الدولة في زيارو لهذه المؤسسات والأماكن بالعاصمة..#خبر_عاجل    ارتفاع كبير في عدد الأمريكيين الراغبين بالحصول على اللجوء في كندا    وزارة الشؤون الثقافية تنعى مدير التصوير والمخرج أحمد بنيس    مع الشروق : حذار ... عندما تُستباح المهرجانات يبدأ «مجتمع الغاب»    عاجل: فلكيا هذا موعد المولد النبوي الشريف    وضعت زوجها في موقف محرج: سيرين عبد النور ترقص مع هذا الفنان    مجلة "بصمات" تخصّص عددها الثالث لمداخلات الدورة التأسيسية لملتقى "لقاءات توزر"    7 سبتمبر المقبل.. خسوف كلي للقمر في تونس    المجموعة العالمية "جيبسي كينغ" تحل بتونس لأول مرة وتختتم مهرجان الجم لموسيقى العالم يوم 30 أوت    وفاة "القاضي الرحيم" كابريو بعد أيام من ظهوره في فيديو مؤثر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانسان من خلال محاورة مؤلفات المسعدي
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

لئن كان التفكير عند ديكارت هو الوجود فإن التفكير عند محمود المسعدي هو مظهر من مظاهر حياة الانسان فالذات الانسانية الواعية هي انفتاح الفكر والنفس على مشكلات الوجود.
يبرز الاستاذ محمود المسعدي أحد أعلام الادب التونسي ورائد رواد الكتابة الادبية من خلال اثاره الادبية اشكال ماهية الانسان ومنزلة الانسان وقدرة الانسان وشرف الانسان من حيث هو انسان عليه ان يكون محركا خلاقا لعناصر الوجود التي اوجدها الله في الكون كما يقول محمود المسعدي.
وليس المسعدي هو الذي جعل من الانسان اشكالا لما تساءل عن ماهيته ومنزلته فالاشكال خلق مع الانسان منذ نزوله الى الارض ولكن الذي لم يخلق معه منذ البداية هو ا لاجابة عن الاشكال.
فمع غيلان كان التحدي وكان الصراع ومع مدين خلقت الثورة، ثورة على الحواجز وثورة على الواقع ومع المسعدي وابطاله كانت الحياة وكان الوجود ومعهم ايضا كان الموت وكان العدم.
إن المتأمل لهذا الوجود يلحظ التناقض الذي يميزه بل لنقل ا ن التناقض هو اساسه فلو لم يكن شرا لما كان خيرا ولو لم يكن كرها لما كان حبا ولو لم يكن الاستسلام لما كانت المواجهة... والاستسلام عند المسعدي يعني العدم، الفناء فغيلان لم يكن كائنا حيا الا لكونه انسانا مواجها ينطوي عمله على النضال والكفاح لايمانه بأن الكفاح هو شرف الانسان ولاقتناعه بأن تأصيل الكيان لا يكون الا عن طريق الفعل والخلق وفعل غيلان وان كان يكشف عن ذات متمردة، متعالية على ظلم القدر وقساوة الطبيعة فانه في الآن نفسه يكشف عن صراع مرير تعيشه هذه الذات، صراع بين الواقع والطموح بين الموجود والمنشود بين قوة تشدك الى الوراء بكل ما أوتيت من صلابة وشدة وبين قوة أخرى تدفعك الى الامام ولكن ليس لها من الصلابة الا الكلمات ولا من الشدة الا زيف الامنيات.
فالصراع الذي يعيشه غيلان هو صراع بين الخلق والعدم، بين الفعل واللافعل... فالعمل هو عنوان الانسانية وهو وحده مخرجها من مرحلة الحيوانية ومرحلة العجز «فالعمل اذن هو سبيل اخراج الانسان من العجز الى الانسانية الكاملة اي الفاعلية الحق».
وغيلان طمح الى هذا، الى التخلي عن عجزه فما كان عمله وفعله الا سبيل تحقيق هذه الغاية ولئن كان للعمل بعد اجتماعي فإن معناه عند غيلان لا يتعدى بعده الايديولوجي فهو عمل لأجل العمل، لأجل اثبات الذات وتأصيل الكيان، فلا أهمية للنتيجة بقدر الاهمية التي وجب ان تعطى للفعل في ذاته فالمهم ان تجاهد وتواجه وتصارع فتلك هي ميزة الانسان وهي اساس تحقيق كيانه.
ولئن كان غيلان قد تجاوز اشكال نتيجة العمل والمنفعة منه وذلك لاقتناعه بأن العمل هو فقط من أجل تجسيد الذات في الواقع ومن اجل خلودها فان اشكالا آخر يتراءى معرقلا لخطوات غيلان ففي سعيه لتحقيق انسانيته كثيرا ما يضعف ويستسلم لا للقدر ولا للظلم وانما لنداء الوجدان فيه... لنداء قلبه الذي طعنه بخناجر ثباته واصراره فهل تتحقق الانسانية ببعد واحد؟
إن محاولة غيلان خوض معركة الوجود بدون سلاح لا يلزمنا القول بأنه منهزم لا محالة وذلك لما نلمحه فيه من قوة وشجاعة ومواجهة وقد يكون هذا سبب غضبه وتشرده لا سيما وانه اضحى يعاني من مأساة الحي بين عمله وفعله ومواجهته في دنيا يعلم جيدا انه تاركها فمأساة غيلان هي مأساة الفعل والخلق كأنك تعيش أبدا بالرغم من الايمان بالعجز والفناء فالاشكال عند غيلان هو اشكال الموت وحتمية اشكال الفناء... اشكال تواصل العدم وتلاشي الخلق.
ولئن كان تأصيل الكيان عند غيلان يتمثل في الفعل فإن الثورة عند مدين هي سبيل تجسيد الذات في الواقع فمجابهة الصعاب والتحدي لكل العراقيل يولد بالضرورة الثورة، ثورة على الحواجز وسعي جاد لتحقيق الطموح واثبات الذات. إن ثورة مدين على الحواجز وان كانت توصف باليتم بل ان ولادتها لم تكن الا من رحم الوحدة والتفرد ومأواها لم يكن الا البطون العواقر فانها تتميز بالجرأة والتمرد، تمرد على الواقع وثورة على زيفه فواقع مدين هو واقع المرارة لا سبيل لمعايشته ولا سبيل لتجاوزه ومن ذلك فإن الثورة عليه هي بالاساس ثورة نسيان.
فنسيان الواقع هو سبيل الانتصار عليه وتجاوزه نسيان المحدودية وتجاوز ظلم البشر وقساوة القدر... نسيان العجز والتحلي بالصبر، تجاوز غدر الزمان وفساده وفساد الواقع بما هو وجود وكينونة عند مدين هو من فساد الزمان وغدره «فالزمان كالرحى الدائمة الرحي، لابد من كسرها حتى تأمن الحبة ويطمئن الكيان».
إن ايقاف الزمن اذن هو الوسيلة الوحيدة لبعث الطمأنينة في الكيان ولكن اذا كانت الطمأنينة تتحقق من خلال ايقاف الزمان الذي هو بالضرورة ايقاف الحياة ودحض للواقع وثورة عليه فهل هذا يعني ان الطمأنينة عند مدين ليست الا فناء وعدما؟
إنها مغالاة في القول ان نظلم مفهوم الطمأنينة عند مدين فما قوله بعد سؤال ريحانة:
أين النهاية؟
لدى ابتداء الابد... لدى العين... لدى السكون والنسيان والصمت...
وها نحن على الباب
فما قوله هذا الا بيان لكون النهاية تمثل حلمه ومطمحه بعد ثورة على الواقع فهو مؤمن بأن الاطمئنان أسمى من ان يخلق في مثل هذا الواقع وكأننا هنا في عالم مدين نعيش تحول النهاية الى بداية، فنهاية الواقع الزائف هي في الحقيقة بداية واقع حقيقي، ثابت لا يعكر صفو صدقه ونزاهته حتمية الزوال والفناء شأن واقع الانسانية، فواقع الانسانية ليس الا واقع اضطراب ونزاع ولئن كان غيلان متناسيا لمرارة هذا الواقع فانه لا يخرج عن بوتقة التساؤلات فحتمية الموت شكلت مأساة الانسان مع غيلان لأن الفشل والاخفاق لا يمثلان العدم بل ما يمثلانه حقا هو الحياة، هو بداية اللانهاية، فمأساة غيلان تتمثل بالاساس في حتمية الموت، في الفناء فهو من ناحية يؤمن بالفعل والخلق لاجل تأصيل الكيان واثبات الذات ومن ناحية اخرى مؤمن بضرورة النهاية وحتمية الفناء والاضمحلال.
فالعيش في مثل هذا الاضطراب مثّل مأساة غيلان لا سيما وانه يعاني كثيرا من اجل تأصيل الكيان بل ان جهوده وتجاوزاته لم تمكنه من تحقيق طموحه فكيف يمكن لمثل هذا الانسان الذي يعيش تمزقا بين الواقع والخيال بين الموجود والمنشود، ان يعيش طمأنينة ليست الا رضوخا لواقع متسلط مستبد.
ومهما مثل الانسان الحياة والوجود، الواقع والطموح، فإن مآله بالرغم من جهاده وفعله وخلقه ليس الا الموت والعدم.
وإذا ما تبينت لنا مأساة غيلان بما هي ايمان بحتمية الموت وايمان بعدم القدرة على مجابهتها وهزمها فإن مأساة مدين لم تكن الا الواقع والوجود فما تأصيل الكيان واثبات الذات عنده ا لا ثورة على الواقع وعلى الزمان وسعي وراء ادراك النهاية فزيف الحياة واعتباطيتها جعلت مدين يتحامل عليها ويسعى وراء الموت.
فالقول بالانسانية هو قول بعدم التشبث بالوجود وقول باللحاق بركب العدم «وطارت روح مدين ولحقت بعالم الاموات».
فكأن العدم هنا تحول الى الوجود والنهاية الى بداية والموت الى حياة.
إن القول بتحول العدم الى وجود هو بالضرورة اقرار ضمني بعبثية الحياة وزيفها... فالعبثية نابعة بالاساس من ظلم القدر وان كان الانسان وفعله هو الباعث الاول لوجودها والزيف هو في الواقع زيف القول وزيف الفعل فهل أن هذا الذي يميز الوجود يخول لنا ا لقول ان عالم انسان المسعدي هو العالم الاحق بالعيش والاجدر بالتضحية ولكن هل من سبيل لخلق عالم انسان المسعدي دون اللجوء الى تشويه الثنايا وتدنيس قدسية الوضع عن طريق الالتزام بسلك طريق الباطل والوهم.
على دارس آثار المسعدي ان يدرك ان الحياة التي ينشدها هي عالم من العادة المطلقة ينبغي ان يندفع الانسان معها بكليته احساسا وفكرا وحركة وعمل وان الطفولة عهد انفتاح الابواب وتجلي الافاق عن شيء لا يحده حد من خيال او من اندفاع وهي عالم منفتح على اللانهاية من الانصهار الكياني على حد قول محمود المسعدي في احدى تصريحاته الصحفية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.