أمهات الدجاج باش تولّي تونسيّة...شنيا الحكاية؟    عاجل/ اطلاق نار في أمريكا..وهذه حصيلة الضحايا..    الرابطة الثانية: النتائج الكاملة للجولة الرابعة    عاجل: دخول مجاني للنساء والأطفال في ماتش تونس غدوة    كيفاش باش يكون طقس الليلة؟    سيدي حسين: حملة أمنية تطيح بعدة مروّجي مخدرات ومفتش عنهم للقضاء    عاجل: ثلوج كثيفة وبرد قارص يضرب هذه الدول العربية    اليم في سيدي حسين... يحرق جاره ويحيله على الانعاش    الفنانة ريم سعد تنظّم "رحلة استبطانية" في المكتبة الأسقفية بمدينة تونس العتيقة    الجامعة العامة للنفط والمواد الكيميائية تدعو إلى رؤية وطنية متكاملة لمعالجة الوضع البيئي بقابس    إطلاق "مبادرة المليون توقيع لتجريم التطبيع    عضو مجلس الجهات والأقاليم يحمّل وزارة الصناعة والمجمع الكيميائي مسؤولية التدهور البيئي بقابس    الدورة السادسة للصالون الدولي للأجهزة والخدمات والتكنولوجيات الحديثة للسلامة من 15 إلى 19 أكتوبر 2025    سامي الطرابلسي: المنتخب الوطني يتعامل مع كافة المباريات بكل جدية مهما كان رهانها    المنتخب الجزائري يواجه أوغندا بدون البلايلي وبونجاح وهذا هو السبب    عاجل/ إسرائيل تحسمها بخصوص المشاركة في قمة شرم الشيخ..    دراسة صادمة: استعمال مواقع التواصل الاجتماعي في الوقت هذا تزيد من الاكتئاب    كوكو غوف تفوز بلقب ووهان للتنس    القصرين: قافلة صحية عسكرية متعددة الاختصاصات لفائدة متساكني عمادة عين جنان الحدودية    التعليم والعمل يجذبان المهاجرين إلى تونس بين 2019 و2024.. وإفريقيا جنوب الصحراء في الصدارة    حجز أكثر من 11 طناً من المواد الغذائية الفاسدة بعدد من الولايات    المنستير: توقعات بانتاج 90 ألف طن من الزيتون و18 ألف طن من االزيت خلال موسم الزيتون الحالي    المهدية: "مشاريع تحلية المياه نوعت من الغراسات وزادت في مردودية الفلاح"    دورة سافاري للرقبي السباعي سيدات - المنتخب التونسي ينهزم في الدور ربع النهائي امام نادي شوغون 12-17    دورة نادي الكرة الحديدية ببوسالم: مشاركة واسعة ل32 فريقا من ولايات تونس والشمال    فتح تحقيق ضدّ 7 أشخاص بشُبهة تهريب القهوة والمضاربة بها في السوق    سفيرة هولندا تشارك في غراسة 1000 شتلة خروب لتعزيز الرقعة الخضراء بنابل    تحب تعرف التغطية الصحية متاعك صالحة؟ هاو شنوا تعمل    عاجل: 8 من 10 تونسيين عندهم تغطية صحية... و2,2 مليون من غير حماية    السيسي يصدر قرارا بتعيين الفنان ياسر جلال عضوا في مجلس الشيوخ    عاجل: نظام جديد في ''شنغن'' يبدأ الأحد..وداعًا للأختام اليدوية!    علامات بسيطة.. أما خطيرة! هكّا تعرف إلي عندك سكري والا لا    الناشط ضمن أسطول الصمود العالمي على كنيس يغادر معبر الكرامة    تونس تتصدر: السياح الصينيين اختاروها الأفضل والأكثر أمان    عاجل/ فاجعة تسمم تلاميذ في قابس: رئيس الدولة يسدي هذه التعليمات..    سيدي بوسعيد ضمن أروع 10 قرى بيضاء في العالم    عاجل: رحلة دبلوماسية تتحوّل لمأساة: 3 قطريين يفقدوا حياتهم في مصر...شنيا الحكاية؟    400 شاحنة مساعدات تتحرك تمهيداً لدخول غزة    ديان كيتون ترحل... النجمة اللي عرفناها في العرّاب وآني هول    ابنة إيناس الدغيدي: "أمي حققت حلمها واتجوزت وهي فوق السبعين"    نابل: وزير الفلاحة يعاين أضرار الحشرة القرمزية ويُتابع إجراءات مكافحتها ببوعرقوب    突尼斯荣膺中国游客最向往安全旅游目的地榜首    العاصمة: يوم مفتوح بشارع الحبيب بورقيبة للتوعية بالسكتة القلبية تحت شعار "كل ثانية تنقذ حياة"    قرحة المعدة: شنوة تاكل وشنوة لا؟    جندوبة.. قافلة صحية تؤمن 740 عيادة طبية مجانية    المطرب مراد إبراهيم ل«الشروق»: شغوف بالفن الطربي وأرغب في التنويع    المهرجان الدولي للارتجال بالمهدية في نسخته السابعة : عروض إبداعية مفتوحة، ورشات حيّة.. وفنّانون في الموعد    في «ملتقى الفنون» بأكودة ... عروض مسرحية سينمائية ومعارض فنيّة    أولا وأخيرا .. البحث عن مزرعة للحياة    سوسة: عروض تونسية وإيطالية تُثري ليالي مهرجان أكتوبر الموسيقي    الطقس اليوم: سحب وأمطار خفيفة بالشمال والوسط ورياح قوية في الجنوب    اقتحام معهد في سليانة وسرقة هواتف تلاميذ: الاحتفاظ بمشتبه بهم    الزواج بلاش ولي أمر.. باطل أو صحيح؟ فتوى من الأزهر تكشف السّر    وقت سورة الكهف المثالي يوم الجمعة.. تعرف عليه وتضاعف الأجر!    عاجل/ ضربة موجعة لمروجي المخدرات..    يوم الجمعة وبركة الدعاء: أفضل الأوقات للاستجابة    الجمعة: أمطار رعدية بهذه الجهات    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانسان من خلال محاورة مؤلفات المسعدي
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

لئن كان التفكير عند ديكارت هو الوجود فإن التفكير عند محمود المسعدي هو مظهر من مظاهر حياة الانسان فالذات الانسانية الواعية هي انفتاح الفكر والنفس على مشكلات الوجود.
يبرز الاستاذ محمود المسعدي أحد أعلام الادب التونسي ورائد رواد الكتابة الادبية من خلال اثاره الادبية اشكال ماهية الانسان ومنزلة الانسان وقدرة الانسان وشرف الانسان من حيث هو انسان عليه ان يكون محركا خلاقا لعناصر الوجود التي اوجدها الله في الكون كما يقول محمود المسعدي.
وليس المسعدي هو الذي جعل من الانسان اشكالا لما تساءل عن ماهيته ومنزلته فالاشكال خلق مع الانسان منذ نزوله الى الارض ولكن الذي لم يخلق معه منذ البداية هو ا لاجابة عن الاشكال.
فمع غيلان كان التحدي وكان الصراع ومع مدين خلقت الثورة، ثورة على الحواجز وثورة على الواقع ومع المسعدي وابطاله كانت الحياة وكان الوجود ومعهم ايضا كان الموت وكان العدم.
إن المتأمل لهذا الوجود يلحظ التناقض الذي يميزه بل لنقل ا ن التناقض هو اساسه فلو لم يكن شرا لما كان خيرا ولو لم يكن كرها لما كان حبا ولو لم يكن الاستسلام لما كانت المواجهة... والاستسلام عند المسعدي يعني العدم، الفناء فغيلان لم يكن كائنا حيا الا لكونه انسانا مواجها ينطوي عمله على النضال والكفاح لايمانه بأن الكفاح هو شرف الانسان ولاقتناعه بأن تأصيل الكيان لا يكون الا عن طريق الفعل والخلق وفعل غيلان وان كان يكشف عن ذات متمردة، متعالية على ظلم القدر وقساوة الطبيعة فانه في الآن نفسه يكشف عن صراع مرير تعيشه هذه الذات، صراع بين الواقع والطموح بين الموجود والمنشود بين قوة تشدك الى الوراء بكل ما أوتيت من صلابة وشدة وبين قوة أخرى تدفعك الى الامام ولكن ليس لها من الصلابة الا الكلمات ولا من الشدة الا زيف الامنيات.
فالصراع الذي يعيشه غيلان هو صراع بين الخلق والعدم، بين الفعل واللافعل... فالعمل هو عنوان الانسانية وهو وحده مخرجها من مرحلة الحيوانية ومرحلة العجز «فالعمل اذن هو سبيل اخراج الانسان من العجز الى الانسانية الكاملة اي الفاعلية الحق».
وغيلان طمح الى هذا، الى التخلي عن عجزه فما كان عمله وفعله الا سبيل تحقيق هذه الغاية ولئن كان للعمل بعد اجتماعي فإن معناه عند غيلان لا يتعدى بعده الايديولوجي فهو عمل لأجل العمل، لأجل اثبات الذات وتأصيل الكيان، فلا أهمية للنتيجة بقدر الاهمية التي وجب ان تعطى للفعل في ذاته فالمهم ان تجاهد وتواجه وتصارع فتلك هي ميزة الانسان وهي اساس تحقيق كيانه.
ولئن كان غيلان قد تجاوز اشكال نتيجة العمل والمنفعة منه وذلك لاقتناعه بأن العمل هو فقط من أجل تجسيد الذات في الواقع ومن اجل خلودها فان اشكالا آخر يتراءى معرقلا لخطوات غيلان ففي سعيه لتحقيق انسانيته كثيرا ما يضعف ويستسلم لا للقدر ولا للظلم وانما لنداء الوجدان فيه... لنداء قلبه الذي طعنه بخناجر ثباته واصراره فهل تتحقق الانسانية ببعد واحد؟
إن محاولة غيلان خوض معركة الوجود بدون سلاح لا يلزمنا القول بأنه منهزم لا محالة وذلك لما نلمحه فيه من قوة وشجاعة ومواجهة وقد يكون هذا سبب غضبه وتشرده لا سيما وانه اضحى يعاني من مأساة الحي بين عمله وفعله ومواجهته في دنيا يعلم جيدا انه تاركها فمأساة غيلان هي مأساة الفعل والخلق كأنك تعيش أبدا بالرغم من الايمان بالعجز والفناء فالاشكال عند غيلان هو اشكال الموت وحتمية اشكال الفناء... اشكال تواصل العدم وتلاشي الخلق.
ولئن كان تأصيل الكيان عند غيلان يتمثل في الفعل فإن الثورة عند مدين هي سبيل تجسيد الذات في الواقع فمجابهة الصعاب والتحدي لكل العراقيل يولد بالضرورة الثورة، ثورة على الحواجز وسعي جاد لتحقيق الطموح واثبات الذات. إن ثورة مدين على الحواجز وان كانت توصف باليتم بل ان ولادتها لم تكن الا من رحم الوحدة والتفرد ومأواها لم يكن الا البطون العواقر فانها تتميز بالجرأة والتمرد، تمرد على الواقع وثورة على زيفه فواقع مدين هو واقع المرارة لا سبيل لمعايشته ولا سبيل لتجاوزه ومن ذلك فإن الثورة عليه هي بالاساس ثورة نسيان.
فنسيان الواقع هو سبيل الانتصار عليه وتجاوزه نسيان المحدودية وتجاوز ظلم البشر وقساوة القدر... نسيان العجز والتحلي بالصبر، تجاوز غدر الزمان وفساده وفساد الواقع بما هو وجود وكينونة عند مدين هو من فساد الزمان وغدره «فالزمان كالرحى الدائمة الرحي، لابد من كسرها حتى تأمن الحبة ويطمئن الكيان».
إن ايقاف الزمن اذن هو الوسيلة الوحيدة لبعث الطمأنينة في الكيان ولكن اذا كانت الطمأنينة تتحقق من خلال ايقاف الزمان الذي هو بالضرورة ايقاف الحياة ودحض للواقع وثورة عليه فهل هذا يعني ان الطمأنينة عند مدين ليست الا فناء وعدما؟
إنها مغالاة في القول ان نظلم مفهوم الطمأنينة عند مدين فما قوله بعد سؤال ريحانة:
أين النهاية؟
لدى ابتداء الابد... لدى العين... لدى السكون والنسيان والصمت...
وها نحن على الباب
فما قوله هذا الا بيان لكون النهاية تمثل حلمه ومطمحه بعد ثورة على الواقع فهو مؤمن بأن الاطمئنان أسمى من ان يخلق في مثل هذا الواقع وكأننا هنا في عالم مدين نعيش تحول النهاية الى بداية، فنهاية الواقع الزائف هي في الحقيقة بداية واقع حقيقي، ثابت لا يعكر صفو صدقه ونزاهته حتمية الزوال والفناء شأن واقع الانسانية، فواقع الانسانية ليس الا واقع اضطراب ونزاع ولئن كان غيلان متناسيا لمرارة هذا الواقع فانه لا يخرج عن بوتقة التساؤلات فحتمية الموت شكلت مأساة الانسان مع غيلان لأن الفشل والاخفاق لا يمثلان العدم بل ما يمثلانه حقا هو الحياة، هو بداية اللانهاية، فمأساة غيلان تتمثل بالاساس في حتمية الموت، في الفناء فهو من ناحية يؤمن بالفعل والخلق لاجل تأصيل الكيان واثبات الذات ومن ناحية اخرى مؤمن بضرورة النهاية وحتمية الفناء والاضمحلال.
فالعيش في مثل هذا الاضطراب مثّل مأساة غيلان لا سيما وانه يعاني كثيرا من اجل تأصيل الكيان بل ان جهوده وتجاوزاته لم تمكنه من تحقيق طموحه فكيف يمكن لمثل هذا الانسان الذي يعيش تمزقا بين الواقع والخيال بين الموجود والمنشود، ان يعيش طمأنينة ليست الا رضوخا لواقع متسلط مستبد.
ومهما مثل الانسان الحياة والوجود، الواقع والطموح، فإن مآله بالرغم من جهاده وفعله وخلقه ليس الا الموت والعدم.
وإذا ما تبينت لنا مأساة غيلان بما هي ايمان بحتمية الموت وايمان بعدم القدرة على مجابهتها وهزمها فإن مأساة مدين لم تكن الا الواقع والوجود فما تأصيل الكيان واثبات الذات عنده ا لا ثورة على الواقع وعلى الزمان وسعي وراء ادراك النهاية فزيف الحياة واعتباطيتها جعلت مدين يتحامل عليها ويسعى وراء الموت.
فالقول بالانسانية هو قول بعدم التشبث بالوجود وقول باللحاق بركب العدم «وطارت روح مدين ولحقت بعالم الاموات».
فكأن العدم هنا تحول الى الوجود والنهاية الى بداية والموت الى حياة.
إن القول بتحول العدم الى وجود هو بالضرورة اقرار ضمني بعبثية الحياة وزيفها... فالعبثية نابعة بالاساس من ظلم القدر وان كان الانسان وفعله هو الباعث الاول لوجودها والزيف هو في الواقع زيف القول وزيف الفعل فهل أن هذا الذي يميز الوجود يخول لنا ا لقول ان عالم انسان المسعدي هو العالم الاحق بالعيش والاجدر بالتضحية ولكن هل من سبيل لخلق عالم انسان المسعدي دون اللجوء الى تشويه الثنايا وتدنيس قدسية الوضع عن طريق الالتزام بسلك طريق الباطل والوهم.
على دارس آثار المسعدي ان يدرك ان الحياة التي ينشدها هي عالم من العادة المطلقة ينبغي ان يندفع الانسان معها بكليته احساسا وفكرا وحركة وعمل وان الطفولة عهد انفتاح الابواب وتجلي الافاق عن شيء لا يحده حد من خيال او من اندفاع وهي عالم منفتح على اللانهاية من الانصهار الكياني على حد قول محمود المسعدي في احدى تصريحاته الصحفية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.