ما يحدث في فلسطينالمحتلة من عدوان عسكري يومي ومواصلة بناء الجدار العنصري الذي يكرس ابتلاع مساحة كبيرة من الضفة الغربية وعزل القدس العربية عن محيطها الفلسطيني... وحصار الرئيس عرفات الذي يمثل رمزا للفلسطينيين باعتباره القائد الشرعي المنتخب يطرح تساؤلات مؤلمة وحائرة عن الموقف العربي الرسمي من القضية الفلسطينية التي تجابه اليوم بالتأكيد تحديات لا تقل خطورة عما جابهته على مرّ العقود الماضية فهل تخلى العرب فعلا عن القضية التي كانت الى تاريخ قريب قضيتهم المركزية التي لا تنازعها قضية اخرى على جداول اعمال القمم العربية؟ وهل آلت القضية الفلسطينية الى ما آلت اليه لأن العرب تنازلوا عن ثوابت التسوية وقبلوا بأقل ما يمكن؟ الاجابة عن هذين السؤالين تستدعي بلا شك تحليلا معمقا لواقع عربي لم يستقر على حال حتى ينقلب لحال اخرى... ومن سيء الى اسوإ مع ان كل الظروف الموضوعية تفترض واقعا مغايرا تماما... وليس المجال هنا يتيح الدخول في تفصيلات لا طائل من ورائها ولا في سرد تاريخي لتعاطي الدول العربية مع القضية الفلسطينية إنما الهدف هو تحديد الاسباب والعوامل الكامنة وراء ما يمكن نعته ب «استقالة» العرب وانسلاخهم عن قضيتهم المركزية. وفي هذا السياق تحديدا لا يمكن تجاهل ان الخلافات والنزاعات التي مزقت الصف العربي وفرقت شمل العرب وقدمتهم لقمة سائغة الى افواه القوى الطامعة في ثروات المنطقة ساهمت في حد بعيد في تشكيل ملامح هذه الاستقالة وهذا الانسلاخ. ويمكن في هذا السياق ايضا التأكيد على ان الدول العربية بدأت تتخلى عن القضية الفلسطينية حين بدأت تقدم التنازلات الواحدة تلو الآخرى وحين صدّقت ان الكيان الاسرائىلي يمكن ان يقبل بسلام حقيقي وهو الذي قام على الحروب والتوسع.. وحين دخل العرب تحت مظلة النظام الدولي الجديد بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتفرد الولاياتالمتحدة بزعامة العالم. في «عملية السلام» انطلاقا من مؤتمر مدريد وما انتجه من اتفاقات على غرار «اوسلو» وغيرها بدأ الانزلاق الأخطر باتجاه التخلي عن القضية الفلسطينية بالتنازل تدريجيا عن ثوابت التسوية اي قرارات الشرعية الدولية. وفي غضون عقد من الزمن هبط سقف التسوية العربي تدريجيا وبان بالكاشف ان بعض الدول العربية تريد تسوية للقضية الفلسطينية حتى وان كانت تعني التخلي عن معظم الحقوق الوطنية الفلسطينية. وفي نهاية المطاف ادى مسلسل التنازلات العربية الى القبول بحلول اسرائىلية وامريكية كان آخرها «خريطة الطريق» ثم خطة «فك الارتباط» التي اعدها شارون ودعمتها واشنطن. ومع ان الموقف الرسمي العربي لايزال يتحدث عن القضية الفلسطينية كما ان الحال في السابق، الا ان هذه القضية فقدت بلاشك صفة المركزية بعد ان فعلت التنازلات فعلها.. وبعد ان سقطت الثوابت. بل ان الامر وصل الى ما هو اخطر.. حين تساعد اطراف عربية شارون على تنفيذ مخططاته وحين يتجاهل العرب مصير شعب بأكمله..