إذا كان رئيس الدولة قد اشرف على الاحتفال باليوم الوطني للثقافة فذلك بدافع حبّه للادب وغيرته على التراث التونسي الاصيل وتشجيعه وحرصه على الارتقاء بالعلاقات الثقافية بين الشعوب الى مرتبة أسمى. التقى اهل القيروان بالمحتفى بهم وهم: مراد الرماح رضا الباهي والسيد العلاني مساء يوم السبت 26 جوان 2004 في حفل التكريم الذي انتظم على شرفهم، وعبّر المكرمون عن سعادتهم بهذا التكريم وهذا اللقاء في مدينتهم القيروان نزل القصبة في مكان أضفى جوّا من البهجة والحيوية على كل الحاضرين وشكروا الظروف الطيّبة التي توفّرها السلط الجهوية في مثل هذه المناسبات. وحضرت هذه الامسية اطارات ادارية وسياسية وثقافية في مقدّمتها السيد الهادي الكريشي الكاتب العام للجنة تنسيق التجمّع، والسيد معتمد القيروان الجنوبية والسيد معتمد القيروان الشمالية ورئيس البلدية. وأعرب السيد مراد الرمّاح رئيس المصلحة التراثية بمناسبة حصوله على الصنف الثالث من وسام الاستحقاق الثقافي عن سعادته لما حظي به من عناية وتتويج، وعن اعتزازه باللفتة الرئاسية التي ما انفكّ رئيس الدولة يشمل بها اهل الثقافة والفكر والابداع. أما شخصيته، فهي نمط واضح لفئة المهتمين بالتراث التونسي. بكثير من الدأب والفطنة وايمانا بهذا التراث، يراهن كل مرّة على فتح بوابات جديدة في طرق طويلة من أجل الارتقاء به الى المستوى الذي يتمناه الغيّرون، وهذا لما يزخر به تاريخنا من شواهد مضيئة ومعالم خالدة وأصالة، يتمسّك بها فكرا وممارسة حيث يجمع كلّ ما يتصل بالتراث وبمدينة القيروان، والقيروان رمز الحضارة الاسلامية، يبرز احوازها وعماداتها البعيدة والقريبة ويظهر مخزونها التراثي من خلال معارض للازياء التقليدية والاواني والأدوات وغيرها، يعيد التراث الى مكانته الرفيعة التي يحتلّها في الوجدان العربي ويوسّس اركانه ويقيم سلطانه على دعائم ثابتة قابلة للتطور والانفتاح والانخراط في ذات الوقت في مسيرة الحداثة لما يسود العالم من تطوّر فكري وعلمي وتقني. وعبّر المخرج الشاب رضا الباهي بمناسبة حصوله على الصنف الثالث من وسام الاستحقاق الثقافي عن عميق امتنانه بهذا التكريم الذي يشمل كافة اهل القيروان. والادمان على العمل السينمائي عند رضا الباهي هو ايمانه، وهو احد الشخصيات المعروفة ا لتي تمثل الجيل الجديد، بالعمل من اجل تونس واعلاء شأنها بين الامم. رافقه الحظ في حياته التي بدأ برسم خيوطها الكبرى مع الاصوات والالوان منذ انشودة البداية وهي: المرأة التمثال، شمس الضباع، وشم على الذاكرة... قهر الصعاب وتحصّل على عديد الجوائز وهو يلامس المجتمع التونسي ممثلا بأفلامه الممتازة، تنقّل من قارّة الى قارّة وهو يتابع المشاريع السينمائية مهتما بقيمة مواضيعها بكل حرص وانتباه، أقام الجسور بين السينما التونسية وبين مختلف مشاهير السينما العالمية واستطاع ان يسلّط ويفرض افلامه في العالم تسويقا وترويجا وها هو في القيروان واللقاء مع القيروان لم ينقطع وحتى إن غالب عنها فهناك دائما اللقاء الروحي والودّ والرضا بينه وبين أهل القيروان، هم يتطلعون الى جديده والسينما عنده خالدة الى الابد. أما السيد العلاني وحصوله على الصنف الرابع من وسام الاستحقاق الثقافي فله اعتزاز ابداعي ومسرحي داخل البيئة الثقافية، اذ انتج وكتب وفاز فوزا لا شبهة فيه، صاغ اروع الصور في حياته الادبية، وانتقى اكثر النصوص التي رتّبها ونسّقها وحلّق بها في عالم الادب والمسرح بكل خيالاته. الى جانب اندفاعه في كتابة المسرحية واختياره للمواضيع الهادفة كان ينحو مرّة نحو النقد المباشر والبنّاء ونحو الحدّة والتعقيد والتشويق، ومرّة نحو الهزل يمازح اهل القيروان وكل ما هو جميل وأصيل فيها، يمتاز بجاذبية نادرة ويندمج في الكلام بطريقة فريدة من نوعها، ولكن هذا الانجذاب الى الكتابة لا يمنعه من العمل الاداري كمندوب جهوي للثقافة والشباب والترفيه، إذ ينظر الى فئة الادباء والشعراء القيروانيين نظرة يستبطن من خلالها افكارهم ليرى انهم فنّانون ومبدعون مثله، يشجع التواصل بينهم وبين الجيل الجديد اذ هو يبحث عن ابراز البوادر وتحفيز الطاقات الشبابية الواعدة بالتنوّع في شتى مجالات الابداع، يجوس في عوالمهم، يتابع اخبارهم في دار الثقافة أسد بن الفرات حيث يتحلّق يوميا الكتّاب والشعراء كأسرة واحدة من أجل الادب والشعر والفن.