«مرْجتْني.. مرْجتْني.. مرجتني»..! قالها بالثلاث طفل في العاشرة من عمره يتذمّر من أوامر أمه التي لا تريده أن يتصرّف بحماقة! الصورة والمشهد كله يوحي بتقاليد أوروبية وهذه مشكلة المشاكل بل أمها التي يعاني منها «المتشهّرون» أي أصحاب الشركات المختصة في الومضات الاشهارية إذ يفكر أغلبهم بعقول تقتات من وراء البحار..! جلّ أفكارهم هجينة فلا هي غربية وفق الأصل ولا هي أصيلة.. يريدون اسقاط كل صورة جميلة على الشاشات الغربية فنشاهد مسخا ومسخرة! بل ان أغلبهم (أي أصحاب هذه الحوانيت الاشهارية) لا يراعون غالبا 3 أعمدة مهمة! الأول يتعلق بهوية البلد والجمهور المستهدف. الثاني باللغة المستعملة. الثالث حقوق التأليف. وهذه الثلاثية التي غالبا ما يقع تجاوزها ودوسها هي التي قصمت ظهر هذه الشركات وأصحابها وحوّلتهم الى مسخرة وببغاوات! فعلى المستوى الثاني لا نحتاج الى تبيان كمّ الخور المتوفر في هذه الومضات التي تتداخل فيها العربية والدارجة الركيكة (لا دارجة العروي) وتلك اللغة الثالثة (بوخلّوط) التي تدعو الى الغثيان والأمثلة على ذلك لا تحصى! أما هوية البلد فقد تمّ تجاوزها عشرات المرات بالاعتداء على اللغة والذوق وبعض المقدسات. ما الذي جعل ابن خلدون يُحشر في اشهار يتعلق ببعض المأكولات! ومن الذي صور لنا التونسي جشعا وجبانا وتافها وتقوده اللهفة؟! ومن الذي جعل العلاقات العائلية كلها صراعات؟! أما عن حقوق التأليف فحدث ولا حرج فهناك عشرات الألحان تمّ تركيب كلام تافه عليها لترويج بعض السلع لا يهمّ! المهم هو أن تروّج السلعة! ومرة أخرى يقع الاعتداء على حقوق المؤلف الذي تمّ استعمال موسيقاه دون إذنه أو إذن الورثة فضلا عن تشويه الموسيقى وتحويل مغزاها من بعد جمالي الى مجرد جملة موسيقية مُسقطة بشكل يكشف ذوق أصحابه! وفي رمضان اعتدوا على «أم تراكي» وصوّروا التونسي متطفلا تحركه «كرشه»! وحتى المشهد العام في رمضان يوحي بأننا شعب «بطوني» التوجه (على وزن بطولي)! كل البضائع مأكولات (ياغورت شامية مشروبات غازية وغير غازية) وإن كان الغزو حاصلا في كل الحالات! لن نتحدث عن الخيال أو الذوق فتلك مسألة أخرى وجماعة حوانيت الاشهار بحاجة الى رسكلة قد تدوم سنوات حتى يتأقلموا مع الجمال أولا ومع الصورة ثانيا ومع دلالات الأشياء مجتمعة وقبل ذلك عليهم أن يتعلموا حبّ الوطن والغيرة عليه لأن كل كلمة محسوبة والاشهار ليس مجرد ترويج لسلعة انما لكل صورة خلفيتها ولكل عبارة دلالتها.. وغير ذلك لن يؤدي الا الى تدمير الهوية والروح الجمالية وحقوق الآخرين!