حوار وإعداد فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي يواصل «سي أحمد» بن صالح قصّة تدخله في جلسة الاجتماع التي عقدها الأمين العام للحزب صالح بن يوسف، في منزله بمونفلوري، ودعا إليها ممثلي المنظمات الوطنية على الساحة وقتها (سنة 1955)، وكان الموضوع هو موقف صالح بن يوسف من الاتفاقيات، اتفاقيات الحكم الذاتي التي اعتبرها خطوة إلى الوراء.. الأستاذ أحمد بن صالح وكما رأينا في الحلقة الماضية، أخذ الكلمة، ونوّه أنه حاضر بصفته أمينا عاما للاتحاد العام التونسي للشغل وذلك بعد أن قال صالح بن يوسف مرحّبا بالحاضرين (وكان عددهم يفوق العشرين) انه دعاهم كصديق وليس كأمين عام للحزب.. يواصل «سي أحمد» قصّة الثوب الضيّق، في نعته للاتفاقيات بالقول: «ولما استمع إليّ وإلى المرتكزات التي قدمتها لقبول تلك الاتفاقيات، قال «سي صالح» إذا كان الأمر كما ذكرت.. إذن أنا موافق. كان صالح بن يوسف، يستمع بانتباه إلى ما كنت أقوله.. كنت أخاطبه كشاب مسؤول، وللعلم، لم تكن بيني وبين صالح بن يوسف، أي نوع من أنواع الخلافات.. فأنا أعرفه بشكل مباشر منذ سنة 1953 (في ستوكهولم). واصلت كلامي حول الاتفاقيات التي نعتها بالثوب الضيّق وأضفت: يجب أن نقدّ ثوبا أوسع وذلك عبر برنامج وطني.. وما إن أتممت كلامي، بكلّ ذاك التفسير (ورد في الحلقة الماضية) قال بن يوسف: «إذا كان الأمر كما ذكرت فهذا طيّب.. «أنا متّفق معاك».. خرجنا من عند صالح بن يوسف، ويشهد اللّه، وأمام الحاضرين، أن صالح بن يوسف أعلن أنه اقتنع بالتبرير حول الاتفاقيات.. وكيف أنه عبر البند الوحيد الذي يعلن فيه الدستور بأن تونس حرّة مستقلة، ومن خلال برنامج نتفق عليه، يمكن أن نمزّق تلك الاتفاقيات التي هي ثوب ضيّق.. إذن، عندما هممت بالخروج، أذكر أن محمد الأصفر جراد عن اتحاد الصناعة والتجارة، تقدّم نحوي وضمّني معانقا وقال لي بحماس «منعتنا يا أحمد.. وأضاف: ما تغيبش يا أحمد» فقلت له، سأذهب إلى السيزل «ببروكسيل» فعندي اجتماع للمكتب التنفيذي.. وفعلا كان موعد سفري من الغد.. أعطيت العنوان إلى محمد الأصفر جراد، عنواني في بروكسيل، وإذا بالأمور تنقلب وتعود إلى خانة الصفر».. سألته، كيف وماذا تقصد؟ قال «سي أحمد» وقد علا الأسف محياه من جديد: حضروا اجتماعا لصالح بن يوسف في جامع الزيتونة، في يوم موالي ليوم ذاك الاجتماع مع المنظمات والذي خرجنا منه بايجابية تتمثل في كون صالح بن يوسف اقتنع ووافق على التبريرات التي قدمتها حول الاتفاقيات. وفي اجتماع جامع الزيتونة، ألقى بن يوسف خطابا رجع فيه إلى نفس اللغة الأولى: «الاتفاقيات خطوة إلى الوراء». وهنا سكت «سي أحمد» برهة من الزمن، فبدا وكأنه يتذكّر شيئا ثم واصل دون أن أقاطعه: ما نفهم من هذا كلّه، هو إما أن الشرخ عميق بين الرجلين (بورقيبة وبن يوسف) أو أن لغة العواطف الشخصية هي التي تغلّبت.. المهم، أنه، ويوم اجتماع جامع الزيتونة كان المصور «بن عمار» أول ضحية، فقد مات يومها ويقال إن امرأة قتلته».. كلّ هذا وقع وأنت في السيزل ببروكسيل؟ عن هذا السؤال قال سي أحمد بن صالح: نعم، فقد كان الاجتماع مباشرة بعد اجتماع صالح بن يوسف بالمنظمات في منزله، وقلت لك أنني سافرت من الغد.. وهنا قال «سي أحمد» مواصلا سرد الحكاية التي بلغته أطوارها وهو في الخارج: «وصلت الأمور إلى حدّ بلا رجعة بين بن يوسف وبورقيبة.. عدت إلى تونس، وفي تلك الأيام الثقيلة جدا، كانت حيرتنا كبيرة».. وهنا عاود «سي أحمد» التعليق: «تحوّل الجوّ إلى فتنة في نفس الحزب وأصبح السجال علنيا في الصحافة، بين الديوان السياسي ويمثله بورقيبة والأمانة العامة ويمثلها بن يوسف» ولما سألته عن وسائل الاعلام وقتها، التي اتخذها الرجلان «للمشاركة» في هذا السجال قال، ان «العمل» لسان حال الحزب، كانت منبرا لبورقيبة، في حين كانت «الصباح» منبر بن يوسف، التي أسسها مع الفريق الحاضر في بداية الخمسينات. أما «سي أحمد» فكان منبره الإعلامي جريدة الاتحاد ولسان حاله وقتها: صوت العمل حيث كتب افتتاحيته الشهيرة منبّها الطرفين بأن الشعب موجود، وكان عنوانها: «لا تنسوا أن الشعب موجود». هل انتهت الوساطات بين بن يوسف وبورقيبة، أم مازال الأمل في مصالحة وطنية؟ هذا ما سنعرفه من «سي أحمد» بن صالح في الحلقة المقبلة إن شاء اللّه.