في مداخلة له أمام مؤتمر دولي حول «الدولة المعاصرة والأمن العالمي» دعا الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف الى التخلي عما أسماها «أوهام الهيمنة العالمية»... وهو تشخيص يلخص تقريبا أهم أعراض المرض العضال الذي يعاني منه المجتمع الدولي منذ سنوات... وتحديدا منذ انهيار الثنائية القطبية وانطلاق القطب المتبقي القطب الامريكي في سلسلة اجراءات وترتيبات لترتيب «نظام عالمي جديد» على مقاس مصالحه وأطماعه وطموحاته...وكلها تصبّ في اقامة نظام دولي أحادي يفضي الى فرض الهيمنة الامريكية على الكرة الارضية لمدة قرن قادم او ألفية قادمة كما صرّح بذلك منظرو هيمنة القطب الامريكي الاوحد على العالم مرارا وتكرارا. الواقع أن هذا المرض قد سبب حتى الآن كوارث كبرى للعالم.. ذلك ان جنون القوة والجموح الى الهيمنة اذا ما استبدا بشخص او بدولة فإنهما يؤديان الى فوضى عارمة.. وجنون القوة الامريكية قاد في العشرية الاخيرة الى سياسات خرقاء دمّرت دولا وشعوبا ونشرت فوضى مرعبة (يسمونها خلاقة)..وشكلت تهديدا مباشرا وخطيرا للسلم والامن الدوليين...ونحن مازلنا نذكر كيف اندفع بوش في لحظات النشوة هذه بجنون القوة الى بلورة سلسلة من المفاهيم الظالمة من قبيل «محور الشر»، و«من ليس معي فهو ضدي» و«الحرب الاستباقية»، وهي مفاهيم ترجمت الى سياسات أدت الى تدمير العراق مثلا والى اغراق عديد الدول في الفوضى والى تشجيع الكيان الصهيوني على مزيد الغطرسة والاستهتار بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني و بحقوق سوريا ولبنان... ولم تأت في المقابل بالامن والاستقرار المطلوبين. وعلى العكس فقد جلبت هذه السياسات المزيد من الفوضى والدمار للجميع... والناظر الى أفغانستان مثلا يدرك حجم المأساة التي لحقت بالشعب الافغاني ويدرك حجم الورطة وفداحة الخسائر البشرية والمادية التي تلحق بدول الحلف الاطلسي. لذلك فإن تشخيص الرئيس الروسي يستحق التوقف عنده مطولا واستخلاص العبر والدروس اللازمة منه... لأن العالم يحتاج اليوم الى الحكمة والى المزيد من الحكمة لمداواة آلامه وجراحاته في اطار من التضامن والتكافل بعيدا عن كل أحلام ونوازع الهيمنة والاستئثار وبعيدا عن كل النعرات المدمرة التي لم تجلب الا الويلات والمزيد من الويلات.