معركة البويب من المعارك التي أذل الله فيها الفرس احدى أعظم قوتين في ذلك الزمان، وأعز الله فيها الاسلام وأهله. وتبدأ فصول المعركة عندما انحاز المسلمون غربي نهر الفرات بعد وقعة الجسر التي هزم فيها المسلمون، فأقام المثنى بالمسلمين في تلك البلاد، وكان يرسل السرايا للاغارة على المجوس المرة بعد الاخرى، وأسر المثنى في أحد المرات أميرين من أمرائهم وأسر معهما بشرا كثيرا قام بقتلهم جميعا، ثم أرسل الى من بالعراق من أمراء المسلمين يستمدهم فبعثوا اليه الامداد، وبعث اليه عمر رضي الله عنه بمدد كثير فيهم جرير بن عبد الله البجلي في قومه بجيلة بكاملها، فلما علمت الفرس بكثرة جيوش المسلمين بعثوا الى المثنى جيشا مع رجل يقال له مهران، فالتقوا وإياهم بمكان يقال له البويب وبينهما الفرات، فقالوا: إما أن تعبروا الينا أو نعبر اليكم، فقال المسلمون: بل اعبروا الينا، فعبرت الفرس اليهم فتواقفوا، وذلك في شهر رمضان سنة ثلاث عشرة من الهجرة، فعزم المثنى على المسلمين في الفطر فافطروا عن آخرهم ليكون أقوى لهم، وعبأ الجيش، وجعل يمر على كل راية من رايات الامراء على القبائل ويعظهم ويحثهم على الجهاد والصبر، وقال المثنى لهم: إني مكبر ثلاث تكبيرات فتهيأوا، فاذا كبرت الرابعة فاحملوا، فقابلوا قوله بالسمع والطاعة والقبول، فلما كبّر أول تكبيرة عاجلتهم الفرس فحملوا عليهم، واقتتلوا قتالا شديدا. وجعل المثنى والمسلمون يدعون الله بالظفر والنصر، فلما طالت مدة الحرب جمع المثنى جماعة من أصحابه الابطال يحمون ظهره، وحمل على مهران فأزاله عن موضعه حتى دخل الميمنة، وحمل المنذر بن حسان بن ضرار الضبي على مهران فطعنه، وهربت المجوس، فتبعهم المسلمون يقتلونهم قتلا، وسبق المثنى بن حارثة الى الجسر فوقف عليه ليمنع الفرس من العبور عليه، فتمكن منهم المسلمون، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، فيقال انه قتل منهم يومئذ وغرق قريب من مائة ألف. وقد قال الاعور الشني العبدي في ذلك: هاجت لأعور دار الحي أحزانا واستبدلت بعد عبد القيس حسانا وقد أرانا بها الشمل مجتمع إذ بالنخيلة قتلى جند مهرانا إذ كان سار المثنى بالخيول لهم