خرج من السلطة من الباب الكبير وسيعود اليها بأكثر قوة من الباب الكبير ايضا، فلاديمير بوتين الملقب في الأوساط العالمية ب «قيصر روسيا» الجديد تخلى عن عرشه طوعا ولكنه لم يتخل عن السلطة فقد حكم البلاد لدورتين كل دورة ب 4 سنوات، واختار خليفته من حزبه ومن المقربين منه شرط ان يكون هو رئيس الوزراء وبالتالي الممسك الفعلي بدواليب الحكم. ويتداول الروس هذه الايام أحاديث عن سيناريو عودة بوتين الى السلطة فالرجل لم يشأ التمرد على نصوص الدستور التي تمنعه من حكم البلاد لثلاث دورات، فاختار ديمتري ميدفيديف «محللا» لعودته الى السلطة في عام 2012 فالدستور لا يحجر ذلك طالما ان المرشح التزم بالشروط المحددة. يمتلك بوتين من الكفاءات والخبرة السياسية ما أهله لقيادة روسيا على مدى8 سنوات نجح خلالها في لملمة جراح الامبراطورية وترميم التصدعات التي لحقت بها في عهد بوريس يلتسين. ولا ينكر احد ان بوتين ورث حملا ثقيلا لا يقوى على حمله الا المحنك والخبير، وخلال فترة تعتبر بحسابات السياسة والظروف الدولية قياسية تمكن رجل المخابرات السابق من إعادة روسيا الى مجدها، والى إعادة التوازن في العلاقات الدولية، وكسر الانفراد الأمريكي بإدارة العالم وملفاته الساخنة. قال عنه غيرهارد شرودر المستشار الألماني السابق انه احد الروس القلائل الذي يعني ما يقول، ويفعل ما يؤمن به ويقول ما يؤمن به.. ومن ميزات بوتين حسب المقربين منه العمل الدؤوب في صمت الى ان يقترب من تحقيق مراده وعندها وفي هدوء يعلن عن خطواته او خططه تماما كما فعل حين اعاد النشاط العسكري للقاذفات الاستراتيجية بعد سنوات من إيقافها وتماما كما فعل حين ارسل بعثات استكشافية الى القطب الشمالي المتجمد ليثبت اقدام روسيا في منطقة أصبحت لاحقا منطقة نزاع مع عدد من دول الغرب. وحين خطط لقصّ أجنحة جورجيا بعد ان ثبت انها اصبحت شوكة في خاصرة روسيا وقاعدة لتحرّك الدول الغربية وعلى رأسها امريكا لمحاصرة موسكو كان الرجل يعمل في هدوء تام. يؤمن بوتين بأن الغرور يؤدي في النهاية الى السقوط والانهيار وفي عام 2007 قالها صراحة مخاطبا الولاياتالمتحدة: نحن في زمن ما في روسيا اغتررنا فسقطنا، وما حدث لنا سيحدث آجلا أم عاجلا أن لم تتواضعوا قليلا..». براغاماتيكي من الطراز الاول صاحب فطنة سياسية يعرف من أين تؤكل الكتف ومتى، لم يتخذ منذ توليه السلطة سواء حين كان رئيسا لدورتين او حين تولى رئاسة الحكومة قرارات متعجلة. وهذا لا يعني انه كان مصيبا في كل قراراته ولكنه كانت أخطاؤه قليلة وسهام النقد الموجهة إليه أقل. من أسباب نجاح سياسته، انه بادر منذ توليه رئاسة البلاد خلفا لبوريس يلتسين باقتلاع رؤوس الفساد وخاصة المافيا الصهيونية التي باتت مع انهيار الاتحاد السوفياتي تتحكم في كل شاردة وواردة وأمسكت بكبرى المؤسسات المالية والنفطية. ولم تستعد روسيا عافيتها الا حين كنسهم بوتين فمنهم من حوكم ومنهم من فرّ الى الخارج. اليوم وهو على سدّة رئاسة الوزراء لم يتقلص نفوذه ولكن قلّ ظهوره ومع ذلك ثمة خلافات بينه وبين الرئيس ديمتري.