تُحيي مدينة المكنين في كل سنة ذكرى استشهاد ستة من أبنائها منذ 75 عاما دفاعا عن الوطن اثر الاصطدامات العنيفة التي جرت يوم الاربعاء 5 سبتمبر 1934 مع الجيش الفرنسي. فعلى خلفية اعتقال الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة وعدد من رفاقه في الكفاح تقرر تنظيم مظاهرة احتجاجية وسلمية في المدينة ولكن فجأة حدث ما حوّل المظاهرة الى مواجهات دموية شرسة، فما الذي حدث؟ وكيف حدث؟ لاستحضار ذلك التقت «الشروق»بأحد المناضلين الذين عاشوا تلك الاحداث المجيدة وحاولت النبش في ذاكر ته عن حيثياتها. يقول المناضل محمد مصطفى (87 سنة) بارك ا& في عمره: «قررت مجموعة من الوطنيين وهم الحاج محمد زخّامة والعجمي سليم من المكنين والطاهر بطّيخ ومحمد القنوني من قصر هلال اثر الاجتماع المنعقد يوم 4 سبتمبر تحرير برقية احتجاجية ينددون فيها بالممارسات القمعية تجاه الحزب ويطالبون فيها بالافراج الفوري عن الزعيم بورقيبة وتسليم هذه البرقية الى كاهية المكنين وهو ما تولاه فعلا أحد القادة وسط حشد كبير من المواطنين الذين بقي البعض منهم أمام المقر وهو ما لم يرق للكاهية الذي خرج ورش على وجوههم الماء ودعاهم الى الانصراف واصفا إياهم بالاحمرة. وهو ما كان له الاثر السيئ في النفوس حيث بادر البعض برشقه بالحجارة قبل ان ينخرط جل المتظاهرين في اعمال الشغب التي ما فتئت تزداد حدتها شيئا فشيئا وفي لحظات تم اقتحام المقر وحرقه بينما تحصّن الكاهية بالفرار وهو ما زاد في حماس المتظاهرين فأحرقوا دكّانا وسيارتين احداهما على ملك الجندرمة وقد نزل منها آنذاك بعض الجنود وأشهروا أسلحتهم في وجوه المتظاهرين غير ان ذلك لم يغير في الامر شيئا فتمت ملاحقتهم الا ان أحدهم أطلق النار وأصاب أحد المتظاهرين وهو محمد التومي اصابة قاتلة. وهكذا أذكت قطرات الدم الاولى عزيمة المناضلين ولحقوا بالجنود المحتمين بأحد المنازل فأحدثوا في سقفه ثقبا ثم رجموهم بالحجارة مما تسبب في وفاة احد عناصر الجندرمة قبل ان تتم نجدة البقية بقدوم التعزيزات من سوسة. اعتقالات ومحاكمات... كان أول الذين ألقي عليهم القبض اثر هذه الاشتباكات المناضل سالم شقير وفرج الحمروني وعاشور بن عبد ا& وقد أجبروا على الجثوّ على ركابهم فوق الحصى تحت أشعة الشمس الحارقة. وقد ذكر الكاتب محمد الجلاصي في كتابه «المكنين من قيام الدولة الحسينية الى الجلاء العسكري» ان عدد الموقوفين من المكنين وحدها بلغ 59 موقوفا، أما عدد المعتقلين من قصر هلال فقد بلغ 26 معتقلا. أما أول المستشهدين كما سبق الذكر فهو محمد التومي شهر ولد حليمة من عرش أولاد نجم بالمكنين ثم توفي أحمد شرف الدين متأثرا بجروحه، أما البقية وهم محمد الوسلاتي الڤماز شُهر الدّحي وفرج العريبي وصالح الزواغي ومحمد المجدوب فقد استشهدوا في ظروف غامضة بسجني حرّاش ولامباز بالجزائر. وبالتالي يكون العدد الجملي للشهداء في هذه الاحداث 16 شهيدا حسب المرجع المذكور آنفا (6 من المكنين، 5 من قصر هلال، 3 من طبلبة، 1 من بوهلال العليّ و1 من البرجين).