مرة أخرى تنجح الادارة الامريكية في إنقاذ اسرائيل من امكانية الادانة بعد الضغوط التي مورست من أجل أن يتم تأجيل التصويت على تقرير القاضي غولدستون ، في مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة، إلى شهر مارس المقبل . ومسار التقرير الذي كان سينتهي بفيتو أمريكي في مجلس الامن الدولي أو في محكمة الجنايات الدولية، انتهى قبل ذلك بكثير، بقرار تأجيل لستة اشهر اخرى ظاهريا، و لكنه تأجيل يوازي سحبا للتقرير في حقيقة الامر. فإذا تم التصويت، بالامس، وأحيل ذلك التقرير على محكمة الجنايات الدولية أو مجلس الامن الدولي، فانه كان سينتهي إلى الرفض الامريكي، ولكنه كان سيزيد في احراج المعتدي الاسرائيلي كما كان سيزيد من كشف شركائه الذين يوفرون له الحماية و الحصانة ازاء كل القوانين الدولية . فصدور التقرير وكل الجدل الذي دار حوله، رغم انه لم يكن منصفا تماما في حكمه على حركة حماس التي كانت في حالة دفاع عن النفس وفي حالة مقاومة للاحتلال، سبّب ازعاجا ملموسا للقيادات الاسرائيلية ووضعها في خانة الاتهام، خاصة وان العدوان على غزة، مكّن في ابانه، الارادة الشعبية العالمية من التعبير عن الدعم المطلق للشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال. كما مكّن من الكشف عن الانحياز الرسمي الغربي السافر إلى جانب المعتدي ...غير ان «تأجيل» التصويت على التقرير، يقتل في مهده، كل إمكانية لزيادة فضح إسرائيل وممارساتها و من يوفر لها الحماية ايضا ، وربما امكانية اطلاق مسار قضائي ينهي عصر الحصانة التي يتمتع بها قتلة الاطفال و النساء . وما يجعل التأجيل عبثيا، انه يأتي بشكل أو باخر بوحي من السلطة الوطنية الفلسطينية، التي يفترض انها اول من يدفع باتجاه تبني اقصى درجات كشف وادانة الاحتلال. معلوم ان السلطة الفلسطينية تخضع لمختلف انواع الضغوط السياسية والاقتصادية، ولذلك كان ينبغي أن يتولى أمر الدفع بالتقرير قدما، الدول العربية و الإسلامية في مجلس حقوق الانسان . كما كان ينبغي أن تلعب جامعة الدول العربية دورا في ذلك أيضا إلى جانب منظمة المؤتمر الاسلامي . وإذا كانت إسرائيل بدعم و حماية الادارة الامريكية، قد نجحت في تجنب الادانة و المحاسبة،هذه المرة ايضا، فان المجتمع الدولي الذي تعوّد على ازدواجية المكاييل كلما تعلق الامر بالشعب الفلسطيني، إنما يراكم عوامل جديدة للغضب و للانفجار في المنطقة . كما يراكم خاصة عوامل ومبررات الرفض لاسرائيل باعتبارها كيانا معتديا يتمتع بحصانة مطلقة .