طلب السلطة الفلسطينية تأجيل التصويت على تقرير «غولدستون» حول الانتهاكات الإسرائيلية الفظيعة لحقوق الإنسان الفلسطيني أثناء العدوان على غزة استدعى الكثير من ردود الفعل الغاضبة... وذلك على أساس أنه مكّن الجلاد والسفاح من الإفلات من العقاب ومن الإدانة في محفل دولي يعنى بحقوق الإنسان مثل مجلس الأممالمتحدة لحقوق الإنسان... وهي إدانة كانت ستفتح الباب أمام مساءلة الحكومة الصهيونية من قبل مجلس الأمن مع ما يمكن أن يترتب عن ذلك من إدانة سلوكات وممارسات الاحتلال الصهيوني... وما يجلبه من تعاطف مع الشعب الفلسطيني ومع قضيته العادلة وحقه في التحرر والانعتاق من براثن الاحتلال الصهيوني وعدوانه المتكرر. وقد سارعت أطراف فلسطينية وعربية ودولية كثيرة إلى إدانة هذا السلوك غير المفهوم وغير المبرر (على الأقل بالنظر إلى ظاهر الأمور)... ورأت فيه هدية قدمتها السلطة لمن أصدروا أوامر تدمير القطاع على رؤوس متساكنيه وتقتيل كل تلك الأعداد من المدنيين الأبرياء.. كما رأت فيه تنكرا لدماء ودموع المضطهدين في غزة... ومع أن هذا صحيح إلا أنه لا أحد توقف عند الأسباب التي دفعت السلطة لاتخاذ هذا الموقف... ولئن كانت كل أسباب الدنيا لاتكفي بتبرير هذا الموقف فإنه وجب التوقف عند الضغوط الهائلة التي مارستها أطراف عديدة بدءا برئاسة الحكومة الإسرائيلية وتهديدها بإنهاء عملية السلام (كما لو أنها كانت موجودة) وبإسقاط عملية تشغيل شركة ثانية للهاتف الجوال في الضفة إذا ما يسحب طلب التصويت... ومرورا بالضغوط الأمريكية والأوروبية الهائلة التي مورست على السلطة وهددت بإغلاق حنفية التمويل وخنق أجهزة وهياكل السلطة... وكل هذه الضغوط والممارسات تكشف أول ما تكشف أن حقوق الإنسان التي تتباكى عليها أمريكا والغرب هي في نهاية المطاف سلعة تباع وتشترى في مزادات المصالح... وقيم يمكن أن تذبح وتقدم قرابين لتحقيق أهداف سياسية... وإن كانت أهدافا قذرة ومغمسة بدماء الأبرياء مثل تمكين الكيان الصهيوني من الإفلات من العقاب على جرائم الإبادة والجرائم في حق الإنسانية التي ارتكبها في عدوانه على قطاع غزة... وفي احتلاله الغاشم للأراضي الفلسطينية وهو أعظم انتهاك لحقوق الإنسان على الإطلاق... فأين قداسة قيم حقوق الإنسان التي يزعم الغرب الانحياز لها والدفاع عنها... ولماذا هذه المكاييل المزدوجة التي تجعل السفاح الصهيوني يفلت من العقاب فيما تنتهك حرمة بلد مثل السودان وتستهدف سيادته ممثلة في رئيسه السيد عمر البشير مع أن ما يحدث في دارفور يستوجب كلاما كثيرا ولا يمثل شيئا أمام العدوان على غزة وأمام عدوان احتلال الأراضي الفلسطينية... لقد كشفت الضغوط التي أفضت إلى تأجيل التصويت بما مكن السفاح من التقاط أنفاسه وطمس معالم جريمته نفاق الغرب حين يتشدّق بالدفاع عن حقوق الإنسان... كما كشفت الانتقائية وازدواجية المكاييل التي تتعاطى بها مع هذه القيم النبيلة... وهذه بدورها جرائم لا تقل فظاعة عن الجرائم الصهيونية... لأنها تشكل ازدراء صارخا لدماء الأبرياء ومتاجرة رخيصة بها...