تتداخل الأحداث بشكل متسارع في الاراضي الفلسطينية هذه الايام... فمن تقرير غولدستون الى الاعتداءات على القدس الى جمود مسار التسوية الى الحوار الوطني الفلسطيني المرتقب في القاهرة بعد أيام... كلها أحداث زادت الموقف التباسا وغموضا حول طبيعة وخلفيات ما يجري... في هذا اللقاء الخاص مع «الشروق» يشرح الامين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين نايف حواتمة موقفه من هذه الاحداث...ومن مسائل أخرى متصلة بالموضوع... والمناضل نايف حواتمة هو شخصية قيادية بارزة في الساحة الفلسطينية... ومناضل له صفحات مشرقة ومشرّفة في النضال الفلسطيني... فالرجل بدأ مسيرته النضالية وعمره لم يتجاوز ال16 عاما حين باشر نشاطه في صفوف القوميين العرب في الاردن والضفة الغربية... وخلال أقل من 50 عاما من العمل السياسي تنقل نايف حواتمة بين أماكن مختلفة في الشرق الاوسط. كما حكم عليه بالاعدام أكثر من مرة. وفي ما يلي هذا الحديث: ما هو موقفكم في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين من طلب تأجيل تقرير غولدستون... وكيف تقرؤون موقف السلطة الفلسطينية من هذه المسألة؟ إن طلب السلطة الفلسطينية تأجيل تقديم تقرير القاضي الدولي غولدستون الى لجنة حقوق الانسان الدولية ومحكمة الجنايات الدولية يعد جريمة سياسية وغير أخلاقية بحق شهداء قطاع غزة والجرحى والعائلات المشردة وبحق الاجنحة العسكرية لفصائل المقاومة التي قاتلت لردع العدوان الصهيوني... اننا ندعو السلطة الفلسطينية واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الى طرد المسؤولين عن ارتكاب هذه الجريمة ومحاكمتهم علنا احتراما لدماء الشهداء والجرحى والمشرّدين وندعو السلطة الفلسطينية الى احالة التقرير فورا على لجنة حقوق الانسان الدولية في جنيف ومجلس الامن ومحكمة الجنايات الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب الاسرائيليين على عدوانهم على قطاع غزة الشجاع. يشهد الوضع في القدس هذه الأيام تصعيدا لافتا للنظر... كيف تنظرون الى ما يجري من اعتداءات ومواجهات واقتحامات للمسجد الاقصى؟ إن عدوان قطعان المستوطنين على القدس وبالتحديد اقتحام باحة المسجد هو مؤشر كبير على السياسة العدوانية لحكومة نتنياهو المتطرفة بسماحها للمستوطنين اقتحام الاقصى وذلك بحماية من قوات الامن الاسرائيلي... ومؤشر على الاوضاع الصعبة في الاراضي الفلسطينية وتذكّرنا بما فعله السفاح شارون، سفاح صبرا وشاتيلا عام 1982 عندما اقتحم ساحة المسجد الاقصى مما أدى الى اندلاع انتفاضة فلسطينية مجيدة ثانية... هذه الانتفاضة التي اندلعت عام 2000 وتواصلت على امتداد ست سنوات كاملة. هل نفهم من هذه المقارنة ان احتمالات اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة أصبحت قائمة فعلا اليوم؟ اعتقد أنه يتم الآن استنساخ ما فعله شارون على يد مجموعات يمينية متطرفة تطلق على نفسها «أبناء الهيكل» اي الذين يسعون الى تدمير المسجد الاقصى... ورد الفعل كان جماهيريا وواسعا بمحاصرة هؤلاء المعتدين... كما كان انذارا للشعوب العربية والمسلمة بأن هذه الاعتداءات تؤدي الى انتاج عوامل انتفاضة ثالثة... وتقول بكل وضوح لو كانت الوحدة الفلسطينية قائمة لاندلعت شرارة انتفاضة ثالثة ولكن الانقسام في الصف الفلسطيني يشكل المكسب الاكبر لدولة الاحتلال. كيف؟ إن النزعات الاحتكارية البعيدة عن حركات التحرر الوطني بكل مؤسساته الاجتماعية والسياسية والثقافية هي التي أوصلتنا الى مثل هذا الوضع... ففقد احتكرت كل حكومات السلطة الفلسطينية منذ عام 1996 ثم جاءت «حماس» عام 2006 واحتكرت الحكم في قطاع غزة... وجرت محاولات الاحتكار الثنائي في اتفاق مكّة وأدى ذلك الى انفتاح جحيم الحرب بين «فتح» و«حماس» والى مزيد من الانقسامات التي انتهت بتمزيق وحدة الشعب. لقد ألحقنا هزيمة بالانقسام في اتفاق القاهرة عام 2005 لكن «حماس» و«فتح» تراجعتا عنه على خلفية أجندات اقليمية ودولية ثم ألحقنا هزيمة ثانية بالانقسام وتوصلنا الى وحدة في اطار «دمقرطة» كل مؤسسات منظمة التحرير لكن بعد 48 ساعة تراجعت «فتح» و«حماس» عن وثيقة البرنامج الفلسطيني وذهبتا الى البحث عن احتكار ثنائي مما أدى الى جولات من الصراع من أجل تحسين موازين القوى. اذا كانت هذه هي خلفية الازمة الفلسطينية فكيف يمكن المراهنة على نجاح حوار القاهرة القادم... والتفاؤل بإمكانية إذابة «الجليد» بين «فتح» و«حماس»؟ نحن نحضّر لجولة حوار شامل في منتصف أكتوبر الجاري... وهذا الحوار سيشمل المحطات الثلاث... مارس 2005 في القاهرة.. ووثيقة الوفاق الوطني في 2006 والحوار الشامل في فيفري ومارس 2009... وهو يضم 13 فصيلا فلسطينيا وأكثر من 20 شخصية فلسطينية مستقلة ذات حضور سياسي شامل... ولذا فإننا نأمل ان نذهب الى الجولة القادمة وان تأتي كل من «فتح» و«حماس» بسياسة وحدوية حتى نصل بذلك الى اتفاق شامل نبني عليه... اتهمتم منذ أيام دولا عبرية بتمويل الانقسام الفلسطيني... لو توضحون لنا حقيقة مثل هذا الاتهام وما هي أدلتكم في ذلك؟ نحن نعلم علم اليقين ان دولا عربية تقدم تسهيلات لوجستية ومالية ومادية لتعميق الانقسام الفلسطيني ومحاولة استئناف حوار محاصصة احتكاري لتقاسم السلطة والنفوذ. أقول إن هذه السياسة العبثية المدمرة لعدد من الدول العربية هي سياسة شيقة تخدم مصالح محلية لهذه الدول... وتموّل الدمار لأنها تغطي على عجز هذه الدول العربية وعلى تحللها من الالتزامات القومية المشتركة تجاه القضية الفلسطينية وضرورة رحيل قوى الاحتلال وضمان حقوق الشعب الفلسطيني وعودة اللاجئين عملا بالقرار الاممي 194. إذا كان هذا هو واقع الدور العربي كما تقولون فكيف تحللون الدور الامريكي في احياء ما تسمى «عملية السلام»... وهل تتوقعون اي خطوات مقبلة من شأنها دفع هذا المسار والتوصل الى تسوية في الشرق الاوسط؟ الادارة الامريكيةالجديدة تحاول الانتقال الى سياسة فعّالة نشطة في ما يخص قضايا الصراع العربي وصولا الى حلول شاملة على مسارات ثلاثة.. السوري الاسرائيلي والفلسطيني الاسرائيلي واللبناني الاسرائيلي. وقد عبّر أوباما عن ذلك خلال لقاءاته مع قادة عرب... وكذلك في خطابه بالقاهرة داعيا الى سياسة جديدة تقوم على حلول شاملة تستوحي قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام ومبادرة السلام العربية... وفي هذا السياق أقول إن الخطوات النشطة التي قام بها جورج ميتشل، مبعوث أوباما.. وأيضا السياسة الامريكيةالجديدة التي تشترط ضرورة الوقف للاستيطان في الضفة والقدسالشرقية قبل استئناف المفاوضات والسلطة ممثلة في منظمة التحرير الفلسطيني واللجنة التنفيذية تصر على ربط استئناف المفاوضات بالوقف الكامل للاستيطان.. وكل هذا يؤشر على الانتقال الى سياسة جديدة فعالة لكن أقول الآن بلغة مباشرة انه يجب ألا نضع كل شيء على مشجب ادارة أوباما. في هذه الحالة كيف تنظرون إلى المقاربة التي تروّج لها واشنطن هذه الأيام والتي تقوم على وقف الاستيطان مقابل التطبيع العربي مع إسرائيل؟ لقد تمّ تجريب هذه السياسة الخاطئة.. وهناك دول عربية أقامت علاقات مع إسرائيل ولكن هذا وصل إلى طريق مسدود لأن الاستيطان لم يتوقف والآن حكومة نتنياهو تعلن أن القدس عاصمة إسرائيل الأبدية... ولذا أقول إن السياسة الرسمية العربية لا تسرّ صديقا... لأنها حالة من وزن الريشة لا تقدر على التأثير على إدارة أوباما...