بكل تأكيد، فقد كان العدوان الصهيوني على غزة وحشيا وهمجيا ويستحق أكثر من الادانة... وبكل تأكيد فقد كان تقرير غولدستون الذي سوّى بين الجلاد والضحية حين وزّع مسؤولية ما جرىبين اسرائيل و«حماس» بمثابة الحد الادنى المطلوب لتوجيه رسالة الى هذا الكيان المتغطرس مفادها أن المجتمع الدولي يرفض العدوان ويدين تدمير البيوت وتقتيل الاهالي الأبرياء... وأن جرائم إبادة من هذا القبيل لا يمكن أن تمر دون كلمة إدانة على الأقل... لكن لا يجب أن نتوهّم بأن التقرير حتى ولو عرض على التصويت في مجلس حقوق الانسان الأممي وحتىلو أحيل الى مجلس الأمن كان سيفضي الى قرار حازم وصارم يدين العدوان ويؤمن التعويضات للمتضررين ويستأصل أسباب العدوان متمثلة في الاحتلال البغيض الذي يستدعي الادانة المطلقة. أما من جهة تقرير غولدستون وما أحدثه من تعميق للانقسام بين «الاخوة الاعداء» في فتح وحماس، فإن ما يجب أن يتنبّه إليه الاشقاء هو انهم يركبون نفس المركب... اذا غرق طرف غرق الآخر... لذلك سوف يكون من العبثية أن تمعن «حماس» في محاولة اغراق رئيس السلطة على خلفية موقفه الداعي الى تأجيل التصويت في جينيف... لأن غرقه يعني كذلك غرق حركة حماس معه وغرق قضية الشعب الفلسطيني برمتها... والمطلوب الآن ليس السجال ولا السعي الى تسجيل النقاط بل المطلوب هو رأب الصدع وتوحيد الصف الفلسطيني وهو ما بقي من أوراق لدى الشعب الفلسطيني ولدى قياداته التي وجب أن تقفز على كل تناقضاتها واختلافاتها التي تبقى ثانوية وثانوية جدا مقارنة بالتناقض الرئيسي والأساسي والمصيري مع العدو الصهيوني. هذا العدو الذي يتفنن في كل مرحلة في نصب الكمائن وزرع بذور الفتنة والشقاق لمزيد تعميق الخلافات واغراق الفلسطينيين في صراعات ثانوية... فيما يتفرّغ هو لتمرير مخططاته التي تستهدف تهويد القدس ودعم الاستيطان وتمرير اسطوانة «يهودية الدولة» مع ما يعنيه ذلك من ترحيل لفلسطينيي الخط الأخضر (1948) ومن اقصاء نهائي لحق العودة لملايين الفلسطينيين. والأكيد أن كل الفرقاء على الساحة الفلسطينية وخاصة حركتا فتح وحماس يدركون جيدا حجم تناقضاتهم... ويدركون ان الصراع منذ زمن (وقبل تقرير غولدستون) هو صراع بين مشروعين وبين رؤيتين للصراع مع الصهاينة... وأن قدر الجميع هو القفز على تلك التناقضات لبلورة أرضية مشتركة ورؤية مشتركة تمكنان من توحيد الصف وتفعيل ورقة الوحدة الوطنية وهي آخر جدار يستند اليه الفلسطينيون وآخر ورقة في أيديهم... بها يمكنهم انقاذ ما يمكن انقاذه... ودونها سيغرق الجميع وتضيع حقوق الشعب الفلسطيني وتنهار قضيته العادلة... وليقف كل طرف أمام المرآة ليحاسب نفسه أيهما أفضل: مناكفة أخيه والتمادي في الصراع معه؟ أم توحيد الصف والكلمة معه لمقارعة الصهاينة وإنقاذ القضية وحقوق الشعب في هذه الفترة الحرجة التي تهدّد بضياع كل شيء اذا استمرت الفرقة وغابت المصالحة وتبدّدت كل الجسور بين اخوة الوطن والقضية.