هو مخرج ومؤلف ومنتج سينمائي، يلقّب في المشهد السينمائي المغربي «بالولد الشقيّ» لكثرة مشاكسته والتي يراها ضريبة صراحته وعفويته عايش السينما العالمية لمدّة خمس وعشرين سنة كتقني وهو بصدد انتاج فيلمه الثالث في مسيرته التي ضمّت أيضا أعمالا تلفزية عديدة. هذا هو المخرج المغربي أحمد بولان المولود بسلا سنة 1956 التقته «الشروق» بعد عرضه لفيلم «ملائكة الشيطان» الذي أثار ضجّة بالمغرب والذي شارك في انتاجه نجيب عيّاد. كان اللقاء ممتعا ومثيرا مع بولان لا يخلو من صراحة وشفافية فيّاضة. كيف تقدم عملك السينمائي الجديد «ملائكة الشيطان»؟ هو عمل مشترك بين المغرب وتونس اعتبره فريدا من نوعه بحكم أن ولادته كانت عسيرة جدا حيث استندت في كتابته الى حادثة واقعية تعود الى سنة2003 حين تم اعتقال فرقة موسيقية مختصّة في موسيقى «الهارد روك» بتهمة الانتماء لعبدة الشيطان لقد وجدت كل الدعم من السلط المغربية التي تشجع الابداع الفني لكن واجهتني صعوبات في الحصول على رخص من طرف بعض المؤسسات التي مانعت في استعمال فضاءاتها للتصوير كالمحكمة التي عوّضتها بفضاء الكنيسة بعد تهيئتها والسجن المدني الذي عوضته بفضاء آخر هو مدرسة وجدتها في حالة سيئة تحديت كل الصعاب لتصوير هذا الفيلم. لماذا الاصرار رغم هذا الكمّ من الصعوبات؟ الفكرة لا تنتظر، الموضوع تنبّأ له الاغلبية بالنجاح فعزمت على تنفيذه وزادني عزما ومساندة وزير الثقافة المغربي السابق رغم اعتراض وزير العدل السابق على تصويره بسبب اساءته للعدالة حسب ظنّه ولكن ايماني بالرسالة التي يتضمّنها الفيلم جعلني أصمد. ما هي هذه الرسالة؟ حريّة التعبير في ظل وجود طاقات ابداعية قوية لم تجد الظروف لتفجيرها. تشترك في الانتاج مع نجيب عيّاد كيف كان هذا اللقاء؟ نجيب عياد يعتبر صديق المغرب، زياراته كثيرة وكذلك علاقاته، التقينا صدفة في طابور لتناول وجبة غذائية، شاكسنا بعضنا البعض، وبدأ اقتراحي بأن ينتج لي فيلما هزليا لكنه سرعان ما أصبح أمرا جدّيا... تتبع ذلك لقاءات فنية ركزنا فيها أسس انتاج «ملائكة الشيطان» وقد اقترح علي فريقا ضخما من التونسيين ولكن خفت من اختلال المعادلة ومن أن يصبح الفيلم تونسيا. فاستعنت بتقنيين تونسيين شكّلوا اضافة فنية للفيلم وكم تمنّيت أن يبقى معنا إلياس الزرلي ولكن القدر شاء عكس ذلك. ما هي الأشياء التي شدّتك الى نجيب عياد؟ نجيب يتميّز بهدوء تام في العملية الفنية اضافة الى قيمة جوهرية تتمثل في اعطائه دفعا معنويا للعاملين معه... أشعرني بالأمان من خلال شحنة الثقافة بالنفس التي مرّرها لي وهذا من شروط نجاح العمل الفني. كيف ترى واقع السينما المغربية؟ واقع جيّد فالمغرب ينتج سنويا ما بين 12 و15 فيلما طويلا في السنة و50 فيلما قصيرا وبين 30 و40 فيلما تلفزيونيا أعتبر ذلك امرا مشجعا. ما الذي ينقص السينما المغاربية للانتشار عربيا... هل هو عائق اللهجة؟ هذا ما تروّجه السينما المصرية التي رسّخت في ذهن المتفرّج بأنها المنتشرة الوحيدة في العالم العربي. فالمصريون لهم مشكل لهجة ولسنا نحن... شعوب المغرب العربي تفهم كل اللهجات. تجمع بين الكتابة والاخراج والانتاج كيف ترى هذه المعادلة؟ في غياب صناعة سينمائية متكاملة وعدم تواجد ورشات تعمل على مدار السنة في مجال الكتابة أو بقية مكوّنات العملية السينمائية، يجد السينمائي نفسه يُخرج ويكتب، مازلنا نمارس السينما كحرفة تقليدية. أي نوعية سينمائية تحرص على تجسيمها؟ «ملائكة الشيطان» هو ثاني فيلم انتجه اضافة الى تجارب تلفزية وبحكم تواجدي بالغرب كتقني سينمائي لمدة 25 سنة فقد كنت متأثرا جدا بالسينما الواقعية «ملائكة الشيطان» لو لاحظت له نكهة انقلوساكسونية لكن هذا لا ينفي تأثري بالسينما الايطالية... وظفت هذه الروح الانقلوساكسونية كتقنية فقط أما الموضوع...فأحرص أن يكون من صميم مشاغل المجتمع المغربي خاصة مشاكل الشباب. هل أن مشاكل الشاب المغربي منحصرة في تعاطي موسيقى الهارد روك؟ أظن أن المشكلة الحالية التي يعيشها الشباب المغربي هي كل ما يتعلّق... بمجالات وظروف التعبير وكيفية توظيفه. الى أي حد وظفت ايديولجيتك في فيلمك؟ ليست لي أي ايديولوجيا أدافع عنها، أنا أدافع عن الحرية. ما هو مفهوم هذه الحرية في نظرك؟ تكمن الحرية في احترام حرية الآخر. يلقّبونك في المغرب بالمشاكس، لماذا؟ لأني أعبّر عن رأيي بكل صراحة وعفوية. واضطر أحيانا إلى الردّ بشكل عنيف. كنت تتحدث عن احترام حرية رأي الإنسان الآخر فهل بالعنف تبلغ آراءك؟ أقصد الحرص على التعبير بكل حرية دون أن اشترط فرض هذا الرأي فحرية التعبير تتطلّب الانصات والحوار وحرية الرأي تتطلب عدم الصدّ فقد يخالفني الآخر في رأيي ولكن لا يعني معاداته ومحاربة رأيه. يوجد في فلمك كمّ هائل من الممثلين كيف تمّ اختيارهم؟ الفلم وضع الأسماء المعروفة وذات الخبرة في أدوار ثانوية وجعل شبّانا منهم من يمثل لأول مرّة في أدوار رئيسية. العمل اقتضى ذلك.. فليس هناك قانون صالح لكل الأفلام إضافة لكوني أركز في الفلم على مشكل يتعلق بالشباب. ماهي مواصفات الفلم الناجح حسب رأيك؟ هو الفلم الذي يعجب الجمهور والنقاد لا أحبّذ إنجازفلم لارضاء النقاد.. هم لا يمثلون إلاّ أقلية من الجمهور وليسوا مؤهلين للحسم في نجاح عمل فني من فشله. رغم علاقاتك وخبرتك في السينما العالمية، لماذا لم تنتج فيلما تدخل به احدى المسابقات العالمية كمهرجان «كان» مثلا؟ الفيلم العالمي لا يتواجد بالضرورة في هذه المسابقات التي لا أعتبرها مقياسا للنجاح.. توجد أفلام على درجة كبيرة من الحرفية ولكن لم تدخل أي مسابقة. المهرجانات والمسابقات الكبرى تحكمها لوبيات وعلاقات ضيقة ومصالح شخصية، فمهرجان «كان» على سبيل المثال يقبل أي فلم أمريكي هوليودي مهما كانت مواصفاته.. يكفي أن تتوفر فيه مصالح شخصية. أنت متزوج من أمريكية وهي مديرة فنية في شركتك ألا يدخلك ذلك إلى «كان»؟ مهرجان «كان» لا يعنيني ولا أعتبره مقياسا أو طموحا أسعى إليه.. تركيزي منصب على ممارسة سينما هادفة تقنعني وتعجب الناس وهذا يكفيني. أي فكرة تحملها عن السينما التونسية؟ أعجبتني كثيرا أفلام سنوات 80 و90 ولا أدري لماذا تراجعت السينما التونسية بعد ذلك وفقدت حيويتها رغم وجود تقنيين من أعلى طراز فالفيلم الجيّد يصنع بالتقني الجيّد. من شدّك من المخرجين التونسيين؟ محمد الزرن، النوري بوزيد ومفيدة التلاتلي. من تفضّل؟ مخرجي المفضل محمد الزرن لأنه مشاكس مثلي. بمن تأثرت؟ بأحمد بولان. ألهذه الدرجة معجب بنفسك؟ (يضحك).. ليس إعجاب.. (يضحك)ما المانع أن أتأثر بنفسي. ماذا بعد «ملائكة الشيطان»؟ انتهيت من كتابة فيلم جديد عنوانه «عودة الابن» يحكي قصّة شاب مغربي يعود إلى المغرب بعد أن تركها وسنّه 5 سنوات. دائما في إطار الاغتراب والغربة وكأنها انعكاس لحالتك النفسية؟ (يضحك يلتفت إلى زوجته ويترجم لها السؤال ويقول لها «لقد اكتشف شيئا هاما»)ممكن يواصل ضحكه.