خيّم على مدينتنا الليل الحالك وغرق كل شيء في بحر لجّي من الظلام الخانق الممل وشعشعت أنوار السرج والقناديل الضئيلة من وراء نوافذ البيوت والأكواخ الحقيرة فبدت نجوما صغيرة يتلألأ نورها تارة ويخبو أخرى، أما نحن فقد خيّم علينا الليل، وتناهى إلى آذاننا عواء الذئاب القادمة من بعيد ولا زيت لدينا كي نشعل السراج.. جلست قرب كوة صغيرة أنظر من خلالها إلى السماء المشققة بالسواد أبحث فيها عن نجمة واحدة متلألئة، وأحلم بسراج مشعل يضيء ظلمتي ويبعث في أعضائي الباردة الدفء، جلست صامتة حزينة أناجي ربّي في صمت لأن يرفع عنا بلاء الأعداء لتعود قدسنا حرّة من جديد. وعندئذ قدمت أختي الصغيرة وجلست بجانبي وسألتني في براءة. «إلام تنظرين يا أختي، وهل في الخارج شيء يذكر غير الخوف والعتمة؟». فترقرقت في عيني دمعة سعيت جاهدة إلى كبتها ثم التفت إليها متكلفة الابتسامة: «إنما أنظري يا حبيبتي إلى تلك النجمة المتلألئة هناك بعيدا». حدقت حيث أشرت طويلا، لكنها لم تر نجمتي المزعومة بل فارسا نبيلا يتهادى في الفضاء حاملا بيمينه راية القدس الخفاقة في العلاء ممتشقا سيفه القاطع.. مالت لي أختي الصغيرة ودفنت رأسها في صدري فاحتضنتها وضممتها إلي، ثم رفعت نحوي رأسها في حزن لتسألني: «هل يا ترى سنعود أحرارا». «سألتني مرارا وتكرارا لكنني أبدا لم أجب... ونامت أختي، نامت ولم تفق، ورأسها ها هنا مدفون في صدري وفي عينيها الصافيتين فارس نبيل يتهادى في الفضاء حاملا بيمينه راية القدس الخفاقة في العلاء ممتشقا سيفه القاطع.. نامي يا صغيرتي، نامي ها هنا في حضني الدافئ فلن تبردي أبدا نامي فالليل ما يزال دابيا والصبح ما يزال غافيا ولا زيت لدينا كي نشعل السراج. بقلم التلميذة نادية بن عيسى عن مجلة «التنوير»