من المتعارف عليه أن الجدية في السياسة تقتضي احترام عقول الجماهير، وهذا الاحترام لا يتبدّى بمجرّد رفع هذا الطرف أو ذاك شعار الجدية وإنما يجب أن يترجم عمليا منهجا وسلوكا وممارسة. وانطلاقا من هذه القاعدة فإن الجدية في العملية الانتخابية تقتضي طرح البرامج وتحديد الأهداف التي ينشدها هذا الحزب أو ذاك أو هذا المرشح أو ذاك إلى جانب ما يسند تلك البرامج من قرائن وأرضية تبيّن وجاهتها من عدمه وتكسبها مصداقية ما لدى الناخب. فهل توفرت هذه البديهيات السياسية في مرشح «حركة التجديد» السيد أحمد إبراهيم، وهو الذي رفع شعار «المعارضة الجدية»؟ في إيحاء بأن ما تبقى من المعارضات شكلي وغير جدي ولا وزن له. هذا الايحاء يعطي مقدّمة للإجابة عن السؤال الذي طرحناه لأنه ايحاء يقطع مع ما تمليه الممارسة السياسية من أخلاقيات وفي مقدمتها احترام الخصوم حتى لو كنّا على النقيض مما يطرحوه من أفكار.. أو ليس من أبجديات الديمقراطية الاقرار بوجهات النظر الأخرى والرأي المخالف. أفلا يكشف مثل هذا الموقف من المنافسين الآخرين أن سي أحمد إبراهيم الذي أقام مناحة علنية على غياب الديمقراطية، لا يمكن بموقفه هذا أن يصنف نفسه في خانة «الديمقراطيين جدا»؟!؟ الجانب الثاني من الجوانب يجد شواهده في تعمّد سي أحمد تحريف مسار الحملة وذلك بمحاولة استقطاب الأضواء، والأجنبية تحديدا، من خلال التظلّم والصراخ وتغييب جوهر الحملة أي المنافسة الهادئة للبرامج والتعريف بالبرنامج الخاص لحركته.. لا الاكتفاء بخطاباته غوغائية وشعارات فضفاضة تقفز على الواقع ولا تجيب عن أي سؤال من الأسئلة الحارقة.. فمن اليسير إطلاق الوعود ولكن من الصعب تقديم آليات تحققها والأرضية الواقعية التي تقف عليها.. أليس لعب دور الضحية من أسهل الأدوار على الاطلاق، دور قد يُثير الشفقة ولكنه لا يطوّر حياة سياسية ولا يجعل من الذين أدمنوا هذا الدور طرفا فاعلا فيها وقبل هذا وذاك لا يكرّس التعددية ولا يبني ديمقراطية!؟! إن «التجديد» و«الجدية» هما تجديد في الأفكار والآليات والمضامين أو لا تكون.. واستجابة لتطوّر الواقع لا انتكاس أو نكوص عليه.. كما أنها بضاعة تفقد صلوحيتها ومصداقيتها حين نكتفي بطرحها مجرد شعار نرفع نخبه ونمارس نقيضه وضده!! لقد سقط جدار برلين منذ عقدين ولكن يبدو أن ذات الجدار مازال يقف شامخا بأعمدته الخرسانية وسياجه الدوغمائي في عقل السيد أحمد إبراهيم وحوارييه.. أفلم يحن الوقت وهو يترشح لأعلى منصب في الدولة، ويعتبر نفسه المرشح الحقيقي، أن يعلن بلوغه سنّ الرشد السياسي، وأن يعلن خاصة الفطام عن هذا الخطاب الديماغوجي الذي تأكدنا أنه يُسوّق للخارج وليس للداخل..؟ أما حان للسيد أحمد ابراهيم أن يحاول المساهمة في البناء الديمقراطي عوض الترويج لأسهمه في الخارج؟ ألم يفهم السيد أحمد إبراهيم ومستشاروه مغزى عبارة «برّه روح» التي استقبله بها الكادحون في الحوض المنجمي؟ بحدسهم الفطري أحسّ مواطنو الرديف أن هذا الزعيم الكبير ليس منهم حتى وإن حاول تقمص بدلة العمال الزرقاء.