حوار وإعداد فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي عندما أخذ النائب الأول لرئيس المجلس التأسيسي الكلمة، ليوضح موقفه من مسألة إعلان الجمهورية، فعل ذلك بوصفه نائبا عن قائمة الجنوب في المجلس، وكان له ذلك. وقد رأينا في الحلقة الفارطة، كيف تمّ الإعلان عن الجمهورية، وكيف كان موقف «سي أحمد» مساندا للجمهورية كنمط حكم في تونس. سألت «سي أحمد» عن موقفه الأصلي، وهل كان فعلا مع الجمهورية، فقال: «نعم، وبلا أدنى شك.. وأنا ذكرت لك سابقا، كيف أن المنصف باي كان ردّد أمامي في «بو Pau» لثلاث مرات أنه عندما يعود سيعلن بنفسه الجمهورية.. وكان عمره إذّاك 22 سنة.. طبعا في المجلس، ولما تحدّثت عن الجمهورية لم أذكر هذه الحادثة فقد كان عندي من الحياء، أنني لم أذكر المنصف باي في كلمتي.. عند افتتاح (جلسة) المجلس.. أي الجلسة الأولى لإعلان الجمهورية.. واكتفيت ببسط الموضوع كما كان متفقا عليه، وبوصفي رئيس لجنة تحرير الدستور، وقد حان وقت تحديد شكل النظام».. واصل «سي أحمد» كشف تفاصيل إعلان الجمهورية، حين سألته عن الخبر، وكيف بلغ مسامع القصر (الباي) فقال: «لم أكن مع الوفد الذي تشكّل، للذهاب إلى الباي وإعلامه.. وقد كان الوفد مكوّنا من ادريس قيقة والطيب المهيري وعلي البلهوان، ذهبوا إلى الباي وأعلموه.. وكان قصر الباي كما هو معلوم في قرطاج (بيت الحكمة الآن) وكان بورقيبة يقطن في قصر قرطاج الحالي (الرئاسي) وكان سكن الكاتب العام للإقامة العامة، ويسمى «سانت مونيك» (Ste Monique)، وكان هذا المنصب هو الثاني في ترتيب السلطة الاستعمارية الفرنسية». تم الإعلان عن الجمهورية يقول «سي أحمد» ولم يكن أي نائب من نواب الشعب، ضدّ اعلان الجمهورية كنظام حكم في تونسالجديدة».. سألت «سي أحمد» عن الحكومة الجديدة، أول حكومة للجمهورية، وهل كان عضوا فيها، خاصة وأن مهمته على رأس لجنة تحرير الدستور، سوف تتواصل إلى سنتين أخريين أي إلى جوان 1959، فقال: «ناداني بورقيبة بعد إعلان الجمهورية، وقال لي «يا سي أحمد»، أعرف أنك «مغرم» بالشؤون الاجتماعية، أردت أن أكلّفك بالصحة (الوزارة)، فقلت له يا سيد الرئيس (وقد أصبحنا نقول له هكذا: السيد الرئيس) أنا عندي مسؤولية لم أتممها بعد، مسؤولية في المجلس.. تحوير الدستور.. وعندي عمل كثير ينتظرني، وهنا لا بدّ من التنويه أنني لم أعد كاتبا عاما للاتحاد كما ذكرت التاريخ سابقا، فنحن الآن، سنة 1957.. إذن برّرت له موقفي حول وزارة الصحة، فما كان من بورقيبة إلا أن نهض من مكانه، ليقول لي: C‘est dommage, je voulais être tranquille avec ma conscience كان بورقيبة وهو يتكلّم بالفرنسية يمسك بيدي في شكل مصافحة، فأجبته بسرعة، وبنفس اللغة الفرنسية: آه سيدي الرئيس، إذا أخذت الأمر بمثل هذه العواطف، إذن أقبل.. وقبلت وزارة الصحة.. وكان الدكتور محمود الماطري الرجل العزيز علينا كلّنا، قد سلّم لي المسؤولية، حيث كان على رأس وزارة الصحة في حكومة بورقيبة قبل الجمهورية». سألت «سي أحمد» بن صالح: «كيف عرفت د. محمود الماطري؟ فقال: «كنت أعرفه منذ الصغر.. كان المسؤول الحزبي الوحيد الذي كنّا نعرفه عبر الصور.. فقد كان شيبه (شعره الأبيض) على شباب.. وكان رئيس الحزب قبل أن يتولى بورقيبة رئاسته (...) ما أتذكّره أنه كان يعرف والدي».. وبعد برهة من الصّمت واصل «سي أحمد» حديثه عن د. الماطري وقد تذكّر قصّة خاصة له مع رئيس الحزب الحرّ الدستوري، الأسبق: «في يوم من الأيام، بعد تعرّضي لتهديد بالاغتيال، وبعد أحد الاجتماعات الكبرى (النقابية) وكان ذلك بمقرّ المعرض الدولي (شارع محمد الخامس) وكنت ألقي كلمة، وقد تبيّن أن د. محمود الماطري كان حاضرا، وما إن انتهى الاجتماع، وقد كان واضحا أنني، كنت متعبا، حتى رجعت إلى منزلي، بشارع فلسطين (شقة فوق المونوبري لافيات)، وبعد دقائق، كان د. الماطري أمام باب الشقة، دخل ورحّبت به، وقال لي، وقد أتى معه بعدّة الطبيب «سوف أعتني بك وبصحّتك» معبرا عن أنه لم يعجبه اللامبالاة تجاه صحتي.. وأحسست أنه حباني بعناية أبوية من طبيب»..