حوار وإعداد فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي حُسمَ أمر رئاسة حكومة الاستقلال، وأصبح بورقيبة رئيسا لهذه الحكومة، بعد أن أدلى صاحب هذه المذكّرات برأيه في الموضوع، حيث حبّذ «سي أحمد» أن يبقى بورقيبة رئيسا للمجلس التأسيسي ويراقب الحكومة.. وبرئاسة المجلس، في تقديري طبعا، يمكن أن يكون بورقيبة، أقرب الى رئاسة الجمهورية.. ولكن هذا ما حدث».. سألت «سي أحمد» عن سرّ موقفه الذي يفضّل من خلاله أن يبقى بورقيبة رئيسا للمجلس التأسسي، فقال، وقد بدا وكأنه يحاول أن ينتقي كلماته: «في ذلك الوقت، أظنّ أنني مازلت مشحونا بالذكريات عن المنصف باي.. وعن العائلة المالكة، والتي لم تقم بعمل (واضح) للدفاع عن المنصف باي.. فكيف لي كمناضل شاب وقتها ، أن أقبل أن يكون زعيم البلاد وزعيم حركة التحرير وزيرا أول لواحد من هذه العائلة المالكة الذي كان موقفهم لا يرضي تجاه المنصف بأي، وهنا لا بدّ من التأكيد ثانية، على أن النداء الذي عبّر عنه التونسيون «برلمان تونسي» سنة 1938، يوم 9 أفريل، لا يزال يسكنني، وخلال فترة المفاوضات التي شارك فيها الاتحاد العام التونسي للشغل ضمن جبهة وطنية (مفاوضات الحكم الذاتي والاستقلال) ناهيك أننا كنا كما نقول حرّاسا للمفاوضات وحتى لا ننغّص العملية التفاوضية، بل إنّني وبصفتي كاتبا عاما للاتحاد العام التونسي للشغل طلب مني (في الحزب) أن أطلب من الطاهر بن عمّار رئيس الحكومة التفاوضية، لكي يعيّن الباهي الأدغم في الوزارة..وفعلا، فقد طلبت من عمر الرياحي أن يرافقني، وذهبت الى الطاهر بن عمّار وقلت له ان القيادة الحزبية تطلب أن تعيّن الباهي الأدغم وزيرا معك.. وقد ردّ عليّ بن عمّار بالقول ان الشاذلي باي (ابن الباي في الحكم) يجب أن يعلم بالأمر..وكان الأمر كذلك..». أراد «سي أحمد أن يفتح هذا القوس، الذي يتحدث فيه عن قصة سابقة في الزمن لما نحن بصدده، أي تكوين بورقيبة لحكومة الاستقلال بعد 20 مارس 1956، ليبيّن كيف كان موقف الاتحاد العام التونسي، مسهّلا ومتعاونا مع مسار المفاوضات، وهنا واصل الحديث عن حكومة بورقيبة التي، كان «سي أحمد» بوصفه رئيسا للمجلس التأسيسي بالنيابة، طلب باسم مكتب المجلس بأن يعيّن بورقيبة على رأس الحكومة الجديدة، حكومة الاستقلال.. وهنا دفع بهذه المعلومة مجددا والمتمثلة في أن «الديوان السياسي، وبدون علمي، رشح جلولي فارس على رأس المجلس التأسيسي..» وهنا قاطعت «سي أحمد» لأسأل: وهل ترشحت للمنصب، منصب رئاسة المجلس؟ فقال: أبدا.. أبدا.. فقد كان عندي الى جانب النائب الأول للرئيس مهمة أخرى، وهي أني وكما ذكرت سابقا رئيس لجنة تحرير الدستور، وكنت كاتبا عاما للاتحاد وقتها.. شكّل بورقيبة الحكومة يواصل سي أحمد وطلب أسماء من قيادة الاتحاد، مثل عبد اللّه فرحات عن الديوان السياسي وعضو المكتب التنفيذي للاتحاد (أمين المال)، وعز الدين العباسي (عن جامعة المهندسين)، وبإذن من الاتحاد العام التونسي للشغل، أخذ معه في الحكومة، محمود الخياري (رئيس جامعة الموظفين) وزيرا للبريد ثم الفلاحة، وكان رشيد ادريس عضو المجلس التأسيسي، من قدماء الحزب، وزيرا للبريد.. وقد ناداني بورقيبة، وهو يشكّل الحكومة، حيث قال لي: الآن تأتي معنا. قلت له سيّدي الرئيس (رئيس الحزب) عندي مهمّات كثيرة أخرى، فقال لي: «أنا خمّمت أكلّفك بالشؤون الاقتصادية» وقالها بالفرنسية فقلت له بنفس اللغة: سيدي الرئيس Les affaires existent, mais l›économie n›existe pas3 » ضحك بورقيبة، ووقف الأمر عند ذاك الحد.. أي أنني لم أكن مع بورقيبة في حكومته الجديدة».. قلت ل«سي أحمد» كيف تعاملت مع حكومة بورقيبة، من منظار مراقبة الجهاز التشريعي اذن؟ الردّ نعرفه في حلقة الغد إن شاء اللّه..