حوار وإعداد فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي بمناسبة حديثه عن وزارة الصحة، التي قبلها كمسؤول أول عنها، شدّد «سي أحمد بن صالح» على كشف مناقب الدكتور محمود الماطري، وهو الذي تسلّم منه مقاليد وزارة الصحة، حين دخل حكومة الجمهورية. وهنا واصل الأستاذ بن صالح الحديث عن د. الماطري، وكيف أنه حباه بحنوّ الطبيب والأب. وهنا كشف كيف تمّت عملية التسليم، تسليم الوزارة من الماطري إلى بن صالح فقال: «كان د. محمود الماطري، وزير الصحة في حكومة بورقيبة قبل الجمهورية، هو من سلّم لي المهمّة في الوزارة، وأذكر أن الحكومة (عهد الباي) كان الوزير فيها، وما إن يلج مبنى الوزارة حتى يسبقه عون استقبال (شاوش) وكان يرتدي لباسا تقليديا (شاشية بالقبيطة) ويكون هذا العون هو الصاعد ووراءه الوزير.. كان ذلك كلّ يوم.. وفي كلّ مرّة يقصد فيها الوزير مكتبه.. وقد حدث معي ذلك في بداية مهمتي على رأس الوزارة (وزارة الصحة) فقلت له يكفي، لا أريد هذا النوع من البروتوكول».. وهنا سكت «سي أحمد» برهة من الزمن وبدا وكأنه تذكّر شيئا مهمّا وواصل دون سؤال: «علمت من أخي الدكتور امحمد بن صالح وكان جارا للدكتور الماطري، أن د. محمود قال لأخي، آخر أيامه»، إن بورقيبة ولمّا عيّن أحمد بن صالح (وكنت في المنفى). قال لي: «ان له برنامجا طويل الأمد معه» وكان كلام بورقيبة جوابا على سؤال وزير الصحة المتخلي د. الماطري عندما قال له (لبورقيبة) ألم تقولوا سابقا إننا لن ندخل الذئب إلى «الزريبة» وبما أن الذئب هو أحمد بن صالح فلماذا أخذتموه إلى الوزارة؟ فقال له بورقيبة: «لا.. لا بن صالح عندي معه برنامج طويل الأمد..» هذه القصّة كشفها الدكتور الماطري وحكاها لأخي، وقد كنت في السّجن.. سألت سي أحمد عن وزارة الصحة وكيف كان عمله صلب هذه الوزارة الاستراتيجية، وتونس حديثة الاستقلال وأحدث ما فيها أنها أضحت جمهورية فقال: «في وزارة الصحة، كنت الوزير الوحيد الذي لم يكن تكوينه طبيا، وبعد أشهر قليلة من تسلمي هذه الوزارة، أضيفت إلى مهامي وزارة الشؤون الاجتماعية. وأصبح مبرّرا وجودي على رأس وزارة الصحة.. وقلت لك كيف أن بورقيبة، ولما فكّر وقال لي إنه يريد أن يعيّنني في الحكومة الأولى للجمهورية، على رأس وزارة الصحة، برّر لي ذلك على أني مختصّ في الشؤون الاجتماعية.. إذن أول قرار أو إجراء اتخذته، طلبت من راضية الحدّاد رئيسة الاتحاد النسائي، أن تعطيني قائمة من النساء من صلب المنضويات تحت الاتحاد، لتتّصلن بالمرأة الريفية، فكان أن جاءتنا قيادات نسائية (إطارات).. وكانت مهمّتهنّ تمثلت في أخذ معدّات صحية ولحفظ الصحة إلى النساء الريفيات عبر البلاد التونسية.. وبدأ العمل في صفوف النساء بالريف، وكان الفريق النسائي المذكور يعتني أيضا بالنساء والفتيات الجزائريات الهاربات من الاستعمار الفرنسي، كان هذا سنة 1957، وقد كوّناهنّ وأدخلناهنّ ممرّضات.. وعندما ألحقت لي وزارة الشؤون الاجتماعية، بعد تغيير جزئي في فريق الحكومة، قام به بورقيبة.. ومن هذا الباب، باب وزارة الشؤون الاجتماعية، دخلنا إلى موضوع المرأة الريفية، وهو ملفّ مازال الحديث عنه قائما في تونس اليوم، وهذا دليل أن الذي جاء بعدنا لم يتم هذا الملف.. وهذا دليل أنهم لم يواصلوا الذي بدأناه (برنامج) حول المرأة الريفية..». قلت ل«سي أحمد»: وأنت وزير الصحة والشؤون الاجتماعية، هل كان برنامج الاتحاد (البرنامج الاقتصادي والاجتماعي) والذي قبله مؤتمر الحزب ومؤتمر الاتحاد من بعده، في ذهنك وضمن استراتيجية عملك على رأس الوزارة المزدوجة: الصحة والشؤون الاجتماعية؟ فقال في معرض ردّه على السؤال: «نعم، بالنسبة لي، تبين أنه ما وقع، أن برنامج الاتحاد مازال حيّا في ذهني ولدى العديدين.. فقد كان برنامجا، تناول كلّ مظاهر التنمية وبكل أعماقها».. فإلى حلقة قادمة ان شاء اللّه..