هناك من «المناضلين» من ينحازون الى «النضال المنفلت» من أية ضوابط قانونية أو أخلاقية... هؤلاء وهم قلّة قليلة تتضخّم ال «أنا» عندهم بشكل تصبح معه اوهامهم «حقائق»... ويخيّل لهم أنهم فوق القانون وفوق النظم الاخلاقية وفوق المساءلة... وأحدهم هو السيد توفيق الزغلامي (بن بريك) الذي مثل يوم 29 أكتوبر الماضي أمام النيابة العمومية بتونس على اثر شكاية رفعتها ضده مواطنة اتهمته بالاعتداء عليها بالعنف وبالتهجّم عليها بعبارات ماسّة بالأخلاق الحميدة إضافة الى الاضرار بسيارتها. وصورة الواقعة كما وردت في ملف القضية تتمثل في حصول خلاف بين الطرفين انطلق باحتجاج الشاكية على اصطدام المشتكى به بالمرآة العاكسة لسيارتها... ليتطور الخلاف الى تشابك قام اثره المشتكى به بمسك المرأة من شعرها وانهال عليها ركلا وصفعا... كما تفوّه ازاءها بعبارات منافية للاخلاق وتهجم على مقام الجلالة... لم يكفه هذا، بل امتطى سيارته وتعمد السير بها الى الخلف صادما سيارة الشاكية وملحقا بها اضرارا مادية هامة. وقد احضرت الشاكية شاهدين اكدا اقوالها فيما ادلت بشهادة طبية تجيزها استراحة ب 15 يوما الى جانب تقديمها صورا تشخّص الاضرار التي لحقت بسيارتها... وقد اعترف المشتكى به امام قلم الاستنطاق باعتدائه على المتضررة وسبها وهو ما جعل النيابة العمومية تأذن باحالته على المجلس الجناحي بحالة ايقاف من أجل الافعال المنسوبة اليه... وتم تعيين النظر في القضية الى جلسة 19 نوفمبر القادم. الى هنا تبقى المسألة في اطار خلاف عادي يحصل في كل مكان وزمان حين تنفلت الاعصاب وتغيب لغة العقل لتترك مكانها للغضب والتشنج ولغة العضلات ومنطق القوة... وهي حوادث يفصل فيها القضاء كما يحدث أن تحسم بالحسنى. وفي كل الحالات يبقى القانون فوق الجميع ومرجع الجميع في حسم مثل هذه الخلافات...لكن أن يتوهم المشتكى به في قضية الحال أنه فوق القانون والاخلاق ... فيطلق العنان لنفسه المريضة فتمارس العربدة وغطرسة القوة مع امرأة... ولا يكتفي بذلك فيشبعها سبا وشتما ثم يتعمد صدم سيارتها بسيارته وكأنما كان يتعاطى مع «حشرة»... أو تخيّل نفسه بصدد تصوير مشهد عنف في فيلم بوليسي. والأدهى من كل هذا أن يعمد جماعة «النضال إياهم» الى اخراج الحادثة من اطارها العادي والطبيعي وإلباسها لبوسا سياسيا ليظهر صاحبنا المستهتر بقيمنا الأخلاقية التي تدعونا الى احترام المرأة والامتناع عن اهانتها ولو تعلّق الأمر بحادث سير... والمتنطع على مقتضيات القانون الذي ندرك انه يعلو على الجميع ولا يدانيه في علويته أحد والا تحولت الحياة الاجتماعية الى غابة من الفوضى والانفلات... وتحدث الطامة حين تنقض «قناة الجزيرة» (هي مرّة أخرى) على الحادثة وتخبرنا ب «دعوة الشاعر توفيق بن بريك الىمركز الأمن»... متنكرة لأبسط قواعد العمل الصحفي المتمثلة في قداسة الخبر وفي ضرورة الحرص على مصداقيته وتجرّده... وهو ما يفضي الى التحري ثم التحري في «صيده ونقله»... فما رأي الجماعة حين يتضح ان هذا «الشاعر» غير شاعر بعلوية القانون وبالمنظومة الاخلاقية التي تحكم مجتمعنا... ويتصور نفسه فوق هذا وذاك ليوقع نفسه تحت طائلة القانون فقط... بعيدا عن أوهام الاستهداف السياسي... لأن الحادث جرى في ظرف يعلمه صاحبنا... تماما كما يعرف انه من ضرب وسبّ وشتم وصدم بسيارته وان أحدا لم يكد له او يجبره على اتيان هذه الأفعال التي يدرك «الشعراء» عادة أنها توقع صاحبها تحت طائلة القانون.