قد شهدت تونس خلال سنة 1924 انتشار عديد النقابات في قطاعات مختلفة وقد أقض هذا الانتشار مضاجع الاستعماريين الذين تكالبوا على مقاومتها بكل الوسائل ورغم الاعتقالات والنفي لم ينثن عزم النقابيين ومن سار في دربهم على مواصلة النضال النقابي دفاعا عن مصالح العمال التونسيين وكل من ينضوي تحت لواء هذه النقابات، وتجنبا لما من شأنه أن يشتت كلمة الشغالين ويعيق توحيد صفوفهم، وبعد اجتماعات متوالية واتصالات مستمرة بين النقابات التونسية تم يوم 3 ديسمبر 1924 إنشاء «جامعة عموم العملة التونسية» لتجمع الشغالين جميعهم في منظمة اجتماعية بصرف النظر عن جنسياتهم وأديانهم للدفاع عن مصالحهم المادية والأدبية وتنظيمها بجميع الطرق الممكنة، وتشكل أعضاء اللجنة التنفيذية الوقتية لجامعة عموم العملة التونسيين وكاتبها العام محمد علي. ولم تمر الفرصة دون مساهمة المطويين وبروزهم في الحركة العمالية فهجرتهم الى خارج مسقط رأسهم وخاصة العاصمة فيما قبل عهد الحماية أفرزت ظاهرة الكداحة متأثرين بالأزمة التي كانت دافعا لدخولهم المعترك السياسي والنقابي مبكرا ضد الفرنسيين، ففي المجالين كان لعدة شخصيات من بلد المطوية اشعاع في كامل البلاد التونسية ان لم يكن تجاوز ذلك الى خارج الحدود فقد اشتهرت المطوية هذه الرقعة الصغيرة من الأرض بشدة شكيمة أهلها في الدفاع عن وطنهم وكان لهذه الواحة ذكر نابه ومشرق في الحركات الوطنية خاصة ضد جيش الحماية سنة 1881 (ص 180 محمد العروسي المطوي: دراسات شهادات نشردار الغرب الاسلامي 1992). والظاهرة المطوية الملفتة للنظر هي حب التعاون والتكتل والتضامن الاجتماعي ونكران الذات فالمطوي للمطوي أخ وصديق يسانده في السراء والضراء ومن المستحيل والمستبعد جدا أن يشتكي أحدهم الى خارج أسرته الموسعة فقد جبل المطاوة على مد يد المساعدة والأخذ بأيدي الضعاف منهم وتتجاوز هذه الميزة الى غير المطويين كما أنهم لا يتورعون على التدخل ضد الظلم مهما كان الشخص وجوره فدون توكيل ولا استشارة لا يتأخرون في نصرة المطوي أو غيره لاسترداد حقه وانصافه. فلا غرابة إذن ان كان بلقاسم القناوي ينشط نقابيا قبل ظهور النقابات الوطنية وكبقية المطويين الذين لا يبخلون بمد يد المساعدة ماديا أو معنويا في المصلحة العامة ذات البعد الخيري، كان من المتحمسين لفكرة محمد علي في بعث تعاونيات اقتصادية فالى جانب هذا الأخير ساهم القناوي في إحداث أول تعاونية سنة 1924، فمن هو بلقاسم القناوي. بلقاسم القناوي: هو بلقاسم بن عمر القناوي ولد بالمطوية سنة 1902 تعلم مبادئ القرآن الكريم بالكتاب وهو صغير، كان والده الذي توفي سنة 1948 كبقية أبناء القرية يعيش متنقلا بين تونس العاصمة والمطوية يشتغل موسميا بسوق الحبوب ثم يعود لفلاحة الأرض. التحق بلقاسم القناوي بوالده في العاصمة سنة 1918 أي كان عمره ستة عشر سنة واستقر بنهج ترنجة حيث تقيم جالية المطاوة وذلك أن أحياء كثيرة مازالت تعرف بأحياء المطاوة الى يومنا هذا. وقد سعى بلقاسم القناوي الى توطيد علاقاته مع كل من يسير في منهجه، فكان على اتصال دائم بمحمد علي الذي كان يلتقي بأبناء المطوية عند التاجر حسن بن جراد في نهج ترنجة بساحة القلالين، ومن خلال هذه اللقاءات أمكن له ربط الصلة مع محمد الصيد بن ابراهيم والتهامي بن المبروك جراد وكان من بين مكوني أول نقابة وطنية وهي نقابة عملة الرصيف وكاتبها العام الصيد بن ابراهيم، كما أنه لم يدخر جهدا في مساندة محمدعلي والوقوف الى جانبه في تكوين جامعة عموم العملة التونسية، وحضر مؤتمرها التأسيسي في 18 جانفي 1925 بفندق الحرير الواقع في أول نهج سيدي محرز بالعاصمة وقد اعتمده المهتمون بحركة محمد علي كشاهد عيان على ما حدث في هذا المؤمر، ولما قبضت السلطات الفرنسية على محمد علي يوم 5 فيفري 1925 وبعض من جماعته يوم 7 من نفس الشهر بتهمة التآمر على أمن الدولة وهيبتها اذ كان المقيم العام يتحين الفرص لاسكات صوت هذه الحركة فانتهز فرصة الاضرابات التي جدت بحمام الأنف في شركة الجير والاسمنت وبالتالي القضاء على الجامعة التي تهدد المصالح الفرنسية بتونس، لم يتخل عنهم القناوي وبذلك لم تنقطع الصلة بينه وبين الجامعة لشد أزرهم وتشجيعهم معنويا كان يزورهم صحبة الطاهر الحداد في السجن المدني بالعاصمة أسبوعيا. فلا غرو إذن أن لا يدخر المطوي جهدا ولن يبخل عن تقديم الدعم المالي والأدبي لكل شخص أو مجموعة يناهض الاستعمار بمختلف مظاهره من أجل وطنية صادقة وعزيمة قوية في التوق لاسترداد الحقوق الشرعية. وحضر بلقاسم القناوي محاكمة محمد علي وجماعته بصفة شاهد نفي التهم الموجهة الى أحد المناضلين من السلط الاستعمارية والمتمثلة في كونه تلفظ بعبارات معادية لفرنسا من مثل سنلقي بفرنسا في البحر. وذكر القناوي في شهادته أن المتهم لم يتلفظ بذلك مطلقا بل قال: إننا نطالب بحقوقنا من فرنسا المتمدنة الراقية لتبعد عنا الجهالة والخصاصة وتقودنا الى طريق التقدم والتطور. (يتبع) إعداد: البشير التيجاني الرقيقي