هل من الممكن أن تتسرّب ظاهرة الدروس الخصوصية وتتسلل الى حرم المؤسسات الجامعية؟ هذا السؤال قد يثير استغراب البعض وربما يثير همسا مضحكا. لكن ماذا لو يتحول الى أمر واقع وملموس. أليس من حق الطالب الاستعانة بدروس دعم وتدارك عندما يفاجأ بمواد ومحتويات لم يألفها ولا يفقهها في توجيه أخطأ اصابته أليس الطالب ذلك «الطفل الكبير» الذي يحتاج الى «مساندة» تعود الحصول عليها طيلة حياته الدراسية كما تعود دفع المقابل. لم يعد الحديث عن الدروس الخصوصية الجامعية من الأمور المخفية او «بدعة» عجيبة فهناك عدد من الطلبة أكدوا وجود دروس التقوية والدعم وما شاء للبعض ان يسميها. أسعارها من نار وحرفاؤها فئة قليلون هم من الأخيار والمواد مخصوصة (المواد العلمية). لكن كيف ينظر الطلبة والأساتذة الى المسألة وكيف فسّر علم النفس ارتباط حياة الطالب الدراسية بالدروس الخصوصية؟ «الشروق» فتحت باب الحوار لموضوع الدروس الخصوصية الجامعية ولئن توفر الاجماع بخصوص وجود هذه الدروس فقد تم الاجماع وبنفس القدر حول ما تخلقه من فروقات طبقية والتكاليف الباهظة التي تجعل فرصة الحصول على الدروس حكرا على طائفة قليلة دون غيرها تهدد مجانية التعليم. قبل الحديث عن القانون. البعض يعتبر ان لجوء الطالب الى تلك الدروس هدفه تحصيل اعداد تمكنه من النجاح. فقد أكدت رباب (طالبة سنة ثانية فرنسية بكلية 9 أفريل) ان تلك الدروس الخصوصية في الجامعة تعتبر قناة غير مباشرة للحصول على اعداد قد لا يستحقها الطالب ولا يتسنى له الحصول عليها دون تلك «المراوغة». علاوة على انها تتطلب تكاليف باهظة وان ثبتت ايجابية تلك الدروس فليس الجميع يقدر على دفع مصاريف اضافية مكلفة كما بينت رباب ان تلك الدروس تعمق التمييز بين الطلبة وبالتالي فإن الاستفادة من فوائدها (ان توفرت) ستكون محدودة وغير سانحة للجميع. من جهته أكد حمدي (سنة أولى بالمعهد العالي للتكنولوجيا بالقيروان) ان التعود على الدروس من مرحلة الاولى ابتدائي جعل الطالب يلجأ بصفة الى طلب الدعم وليس يعني ذلك انه ضروري. مبينا ان الدروس الجامعية تهم فئة معينة وتستثني العائلات محدودة الدخل. بعض الطلبة تساءل عن جدوى هذه الدروس وأبدوا تحفظا عن فاعليتها. ووصفت الطالبة ايمان (سنة رابعة صحافة وعلوم أخبار) ظاهرة تلك الدروس الخصوصية بأنها «موضة جديدة تجتاح الجامعة» مؤكدة انها حولت المشهد المعرفي (المجاني) الى طبقات حيث أصبح الطالب يحتاج الى الكثير من المال ليلحق بركب زملائه. ووصفت إيمان عملية الدروس الخصوصية الشائعة بأنها «استغلال» من أجل المال. وبينت ان الطالب إذا كان يحتاج إلى دروس دعم فإنها تكون أكثر فاعلية وشفافية عندما تكون داخل قاعة الدرس حتى لا يحرم فضلها من لا يملك المال. عقلية وعادة اجتماعية عقلية الدروس الخصوصية تسربت من المعهد إلى حرم الجامعة ويعتبر البعض ان طلب الحصول على دروس خصوصية إلى غاية الجامعة هي بقايا رواسب «منهجية» كانت قد أهدتهم النجاح في مراحل سابقة فامتهنوها. الأخصائي علي المحمدي أكد من جهته ان موضوع الدروس الخصوصية الجامعية يحيلنا مباشرة إلى مراحل التعليم الأساسي والثانوي قبل أن يتساءل عن السبب الذي يجعل الدكاترة والأساتذة الجامعيين يوافقون أو يرغبون سواء في السر أم العلن على إعطاء هذه الدروس متسائلا وما إذا كانت الغايات مادية (ضعف المرتب مثلا). أما عن هدف الطلبة من تلك الدروس يرى الأخصائي فهو النجاح مهما كانت الوسيلة والطريقة مشيرا انها عادات مكتسبة منذ الطفولة تجعل الطفل الذي تعود على تحصيل الاعداد بسهولة (توفرها الدروس الخصوصية) منذ صغره ونشأ على ذلك فمن الطبيعي ان يطبع ذلك شخصيته طيلة مراحل دراسته (وحياته) فيفتش عن الشعور بالاطمئنان والراحة النفسية بين الدروس الخصوصية بما أنه تعود الحصول على مساعدة أساتذته مقابل المال. وبرأي الأستاذ المحمدي فإن هذه الأفكار أصبحت متداولة (عقلية) في المجتمع وتروج «ثقافة» مفادها ان الدروس الخصوصية ترفع فرص النجاح، بينما الدراسة الجامعية والنجاح يتطلبان عملا وجهدا فرديا وبحوثا لأن الأستاذ لم يعد الوحيد «ملك» المعلومة وهو المرشد والموجه لها، لكن بما ان الطالب لا يرغب في بذل الجهد فهو يبحث عن الحلول المختصرة والتي تمكنه من تحصيل عدد هي ثمرة علاقة «جيدة» وتواصل مع الأستاذ أسسها بفضل المال كعنصر ربط بينهما. لا يحتاج إليها الطالب «في الحقيقة، الطالب لا يحتاج إلى دروس خصوصية» يؤكد الأستاذ عامر الجريدي، أستاذ اللغة الانقليزية بالمعهد العالي للدراسات القانونية والسياسية بالقيروان مشددا على ان من خصوصيات الطالب الجامعي التعويل على نفسه في البحث والتمحيص والتأليف. بل إن الطالب ليس طالبا إذا واصل التعويل على الدروس الخصوصية، حسب قول الأستاذ، مبينا المشكل المتواصل عصيا عن الحل وسببه أن معظم شباب وطلبة اليوم عازفون عن المطالعة وعن الحرص على التحصيل الذي يرتكز على المجهود الشخصي. عدد كبير من الطلبة يصل الجامعة دون إدراك لخصوصية الدراسة بالجامعة. وتبدو ظاهرة للجميع ان الدروس الخصوصية بالجامعة أمر غير منطقي بالمرة، لكن ما «يعقّد» الأمر شيئا ما هو «انخراط» المدرسين أنفسهم في هذه الظاهرة. وبالمقابل فإنه يوجد منشور واضح وصريح يمنع تقديم الدروس الخصوصية في الجامعة ما يجعل تدخل الإدارة ضروريا لمنع استفحال الظاهرة.