كأس أمم أوروبا: برنامج مواجهات اليوم والنقل التلفزي    رئيس الاتحاد الفرنسي يحذر مبابي لأسباب سياسية    جريمة مروعة ثاني أيام العيد: يذبح زوجته أمام أعين الأجوار..#خبر_عاجل    عاجل/ الاحتلال الصهيوني يحرق قاعة المسافرين في معبر رفح البري..    تنس – انس جابر تحافظ على مركزها العاشر عالميا وتواجه الصينية وانغ في مستهل مشوارها ببطولة برلين    الرابطة المحترفة الاولى (مرحلة التتويج): برنامج مباريات الجولة الختامية..    مصرع 6 أشخاص وفقدان 30 آخرين في انهيار أرضي في الإكوادور    الحرارة تتجاوز المعدلات العادية بداية من الثلاثاء    حجاج بيت الله الحرام يستقبلون أول أيام التشريق    قتلى وجرحى بإطلاق نار خلال احتفال في تكساس الأمريكية    بسبب ين غفير.. نتنياهو يلغي مجلس الحرب    المتحدث باسم "اليونيسف".. الحرب على غزة هي حرب على الأطفال    طقس اليوم.. خلايا رعدية بعد الظهر والحرارة في ارتفاع    تراجع الإنتاج الوطني للنفط الخام في أفريل بنسبة 13 بالمائة    بمناسبة عيد الاضحى: فرق التفقد الطبي تقوم بزيارات ميدانية غير معلنة لعدد من الأقسام الاستعجالية    رئيس الجمهورية يتبادل تهاني العيد مع كل من المنفي والدبيبة    في بلاغ له النجم الساحلي ينفي اشراك جاك مبي و في رصيده 3 انذارات    مقتل شخصين وإصابة 6 آخرين بإطلاق نار خلال احتفال "بيوم الحرية" في تكساس الأمريكية    صفاقس : "البازين بالقلاية".. عادة غذائية مقدسة غير أنها مهددة بالإندثار والعلم ينصح بتفاديها لما تسببه من أضرار صحية.    الإنتاج الوطني للنفط الخام يتراجع في شهر افريل بنسبة 13 بالمائة (المرصد الوطني للطاقة والمناجم)    وزارة التربية تقرر اتباع خطة إستراتيجية وطنية للقطع مع كل أشكال التشغيل الهش    وزير الدّاخليّة يُشرف على حفل تكريم عدد من الإطارات والأعوان بمقرّ الإدارة العامة لوحدات التدخل    عيد الاضحى: اعمال منزلية تستنزف جهود المراة يوم العيد في سبيل "لمة العائلة"    كأس أوروبا 2024 : المنتخب الفرنسي يستهل غدا مشاركته بلقاء النمسا    رقم قياسي جديد بالتصفيات الأولمبية الأمريكية للسباحة    في ظل انتشار التسممات الغذائية في فصل الصيف، مختصة في التغذية تدعو الى اعتماد سلوك غذائي سليم    بن عروس/ 18 اتصالا حول وضعيات صحية للأضاحي في أوّل أيّام عيد الأضحى..    فرنسا: تصدعات بتحالف اليسار وبلبلة ببيت اليمين التقليدي والحزب الحاكم يعد بتعزيز القدرة الشرائية    استدرجوا امرأة للانتقام منها: صدور حكم بالسجن في جريمة قتل..    العلاقات الاندونيسية التونسية جسر تواصل من اجل ثقافة هادفة، محور ندوة بتونس العاصمة    ميلوني: إسرائيل وقعت في فخ حماس    47 درجة مئوية في الظل.. الأرصاد السعودية تسجل أعلى درجة حرارة بالمشاعر المقدسة    إخصائية في التغذية: لا ضرر من استهلاك ماء الحنفية..    صفاقس : الصوناد لم تكن وفيّة لوعودها يوم العيد    الاحتفاظ بعون ديوانة معزول بحوزته كمية من الكوكايين    وزارة الصحة السعودية تصدر بيانا تحذيريا لضيوف الرحمان    الصوناد: الرقم الأخضر 80100319 لتلقي التشكيات    تخصيص برنامج متكامل لرفع الفضلات خلال أيام العيد    الدكتور حمادي السوسي: لا وفيات في صفوف البعثة الرسمية للحجيج    بعد ظهر اليوم.. خلايا رعدية مصحوبة بأمطار متفرقة    أنس جابر تُشارك الأسبوع المقبل في بطولة برلين للتنس    وزير الشّؤون الدّينية يواكب تصعيد الحجيج إلى المشاعر المقدّسة    أول أيام عيد الأضحى.. الحجاج يؤدون طواف الإفاضة    في أول أيام عيد الأضحى.. الحجاج يرمون جمرة العقبة الكبرى    المطربة المصرية منى عبد الغني تنهار باكية أثناء أداء مناسك الحج على جبل عرفات (فيديو)    أطباء يحذرون من حقن خسارة الوزن    المهدية: مؤشرات إيجابية للقطاع السياحي    بنزرت : حجز 1380 لترا من الزيت النباتي المدعم    بشرى لمرضى السكري: علماء يبتكرون بديلا للحقن    «لارتيستو»: الفنان محمد السياري ل«الشروق»: الممثل في تونس يعاني ماديا... !    رواق الفنون ببن عروس : «تونس الذاكرة»... في معرض الفنان الفوتوغرافي عمر عبادة حرزالله    المبدعة العربية والمواطنة في ملتقى المبدعات العربيات بسوسة    يحذر منها الأطباء: عادات غذائية سيئة في العيد!    حصيلة منتدى تونس للاستثمار TIF 2024 ...أكثر من 500 مليون أورو لمشاريع البنية التحتية والتربية والمؤسسات الصغرى والمتوسّطة    "عالم العجائب" للفنان التشكيلي حمدة السعيدي : غوص في عالم يمزج بين الواقع والخيال    جامعة تونس المنار ضمن المراتب من 101 الى 200 لأفضل الجامعات في العالم    الدورة الخامسة من مهرجان عمان السينمائي الدولي : مشاركة أربعة أفلام تونسية منها ثلاثة في المسابقة الرسمية    تعيين ربيعة بالفقيرة مكلّفة بتسيير وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حديقة بلا سياج: رحلة إلى الجحيم
نشر في الشروق يوم 01 - 12 - 2009

غادر كمال العيّادي تونس منذ بداية التسعينات إلى موسكو ثمّ إلى ألمانيا حيث استقرّ به المقام منذ قرابة العشرين عامًا. وقد عانى الكثير على امتداد هذه السنوات من أجل التوفيق بين حصانين نادرًا ما يرضيان بِجَرِّ نفس العربة: حصان الكتابة من جهة، وحصان القُوت من الجهة الأخرى. ولعلّ الحوار الصاخب بين هذا وذاك هو مصدر النكهة المميّزة لكلّ ما نشرهُ حتى الآن وَرَقيًّا أو رقميًّا، خاصّة في موقع «دروب»، قبل أن نقرأ له «الوردة محبوسة في كتاب» وهي قصائد مُعرّبة عن الروسيّة (تونس 2004) و«غابة الخبز» وهي نصوص عن الحياة في المهجر (ميونيخ 2008) وصولاً إلى مجموعته القصصيّة الأحدث «رحلة إلى الجحيم»، الصادرة عن منشورات وليدوف (تونس 2008. 100ص) ضمن سلسلة ديدالوس.
ليس من شأني في هذه العجالة أن أقوم مقام النقّاد، فقد تكفّل الدكتور نور الدين محقّق في مقدّمته الذكيّة المكثّفة بالإشارة إلى بعض ملامح شعريّة الفضاء في هذه المجموعة وكيفيّة تعبير الشخصيّات عن دواخلها ضمن تقنيات السرد التي توخّاها الكاتب. وأتمنّى أن تحظى هذه التجربة بالمزيد من الدراسة والمتابعة النقديّة. لذلك أكتفي هنا بالإشارة إلى ميزتين من ميزات هذه المجموعة لفتتا انتباهي بشكل خاصّ.
أمّا الميزة الأولى فتتمثّل في توهّج الحوار الذي يعقده القاصّ مع فنّ «البورتريه» تحديدًا. بداية من «آنيتا» ووجهها «الكبريتيّ المُنمّش»، و«باريسا ألكسندروفنا» عاشقة بوشكين، و«طاراكان» الرومانيّ أو الألبانيّ بأنفه «الحادّ مثل منقار الدجاجة»، وحميد ميتشكو الطبّاخ التونسيّ العجيب الذي زعم أنّه خطب الملكة «آنا» من نفسها، وغير ذلك من الشخصيّات التي أتقن الكاتب تصويرها. ولعلّه في هذه المجموعة «بورتريتيست» على طريقة الفنّان الكولومبيّ بوتيرو، الذي يتعامل مع نماذجه على أساس أنها كُتَل لا نفاذ إلى تلافيفها إلاّ بواسطة تضخيمها إلى حدّ الانفجار أو تشويهها إلى درجة الكاريكاتور، أي عن طريق إشباعها بالحياة، في لعبٍ لا يلغي الجدّ وفي سخرية لا تقصي المحبّة وفي قسوة لا تستبعد الحنان وفي خفّةٌ لا تجانبُ العمق وفي صعلكة لا تتناقض مع النُبْل.
وأمّا الميزة الثانية التي لفتت انتباهي فتتمثّل في ابتعاد «رحلة إلى الجحيم» عن مزالق جزء كبير ممّا يُسمّى «أدب الهجرة». ذلك النوع من الأدب الذي يكاد يقتصر على ثلاثة نماذج: عربيّ هارب من بداوته منبهر بالغرب وحداثته، أو شرقيّ جريح لا ثأر له من الغرب إلاّ بتحويله إلى أنثى، أو مثقّف نوستالجيّ يرثي فردوس طفولته المفقود. وأزعم أنّ مجموعة كمال العيّادي القصصيّة لا تنتمي إلى هذا النوع من الأدب...ولعلّها أقربُ إلى «أدب الغربة» بمعنى الاختلاف والإحساس الدائم بانعدام الطمأنينة وبفقدان الألفة مع العالم، وهي صفات الكاتب حيثما حلّ، ولا علاقة لها بالأوطان ولا صلة لها بالمنافي. بل لعلّها ليست أوضح ممّا هي في الأوطان، قريبًا ممّا ذهب إليه سلفُنا أبو حيّان التوحيدي حين قال عن خبرة: «الغريب من إذا ذَكَر الحقّ هُجِر وإذا دعا إلى الحقّ زُجِر... الغريب من إذا أسنَد كُذِّب وإذا تظاهر عُذِّب...الغريب من إذا قال لم يسمعوا قولَهُ وإذا رأوه لم يدوروا حولَه... ».
وبعد فإنّ عبارة «رحلة إلى الجحيم» قد تصلحُ كنايةً عن رحلة الكاتب بشكل عامّ، وربّما كانت كنايةً عن رحلة الإنسان على هذه الأرض بشكل أعمّ، فضلاً عن أنّها هنا عنوان إحدى القصص التسع طَيَّ هذه المجموعة الممتعة الموجعة، التي عرف كمال العيّادي كيف يأسر من خلالها قارئه، متوغّلاً به في الأنفاق حيث الضوء والعتمة والفتنة، محلّقًا به في الأقاصي حيث الدوار والغياب والنشوة، متنقّلاً به من البكاء إلى الضحك إلى نوع من الصمت الصارخ، في لغة يتصالحُ فيها السوقيّ والرفيع، ويخرجُ «ذهَبُها» من وحل الأزقّة ودخان الفضاءات المُغلقة ووقاحة أبناء الليل والأسفلت، وهم يحاورون الفقدان ويحلمون بالحرية ويواجهون استحالة الحبّ ويقاومون الموت والوحدة ويبحثون عن هويّتهم بين مطرقة الجغرافيا وسندان التاريخ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.