حوار وإعداد فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي يعيد «سي أحمد» بن صالح في كل مرّة يتحدث فيها عن التخطيط أو التصميم والمالية، كلاما يقول إنه قاله لبورقيبة أكثر من مرّة، فأنا لست رجل اقتصاد، ولكن تبيّن أنهم (الحاصلون على إجازات في الحقوق) درسوا الاقتصاد في كلية الحقوق... وأنا لا أؤمن، كما قلت لك سابقا، بأن هناك علوما اقتصادية بقدر ما نشهد، أنّ المال هو الذي دخل في الاقتصاد وعلى رأس المدارس في المجال مدرسة شيغاغو (فريدمان)...» ويواصل «سي أحمد» قوله بعد أن سألته عن مرتكزات المخطط، بعد أن حدثنا عن اللجان التي تكوّنت، وكيف أن خمسة الاف تونسي شاركوا في تحرير الآفاق العشرية، إن «خلفية هذه الآفاق، موجودة في ذهني، فهي ترتكز على خمس قواعد، مثل أركان الإسلام وهذه الخلفية تهم تناظر العدد5. هذه الأركان هي: أولا: تصفية الاستعمار ثانيا: رقيّ الإنسان «Promotion de l'Homme». ثالثا: التنمية الجهوية رابعا: إصلاح الهياكل «Réforme des structures» خامسا: التخطيط، كطريقة عمل، يعني إعداد المستقبل. وواصل صاحب المذكرات تفسير هذه الوثيقة، بالقول: «الآفاق العشرية هي الوثيقة الأم، والتي تحتوي على التوجهات التي ذكرتها أنا في المذكرة التي قدمتها إلى بورقيبة ونادى لأجلي اجتماعا للديوان السياسي، عندما أسند إليّ وزارة التخطيط (التصميم). وقد بدأنا الآفاق العشرية بمرحلتين الأولى انتقالية وتدوم ثلاث سنوات. والثانية رباعية على مرتين سألت صاحب المذكرات عن المخطط الانتقالي ولماذا أرادوه انتقاليا ويدوم ثلاث سنوات في حين أنّ المخطط العادي يدوم أربع سنوات، وعلى فترتين؟ فقال: «لماذا ثلاث سنوات... كنّا نريد أن نتعود على هذا النوع من العقلية.. الثلاث سنوات الأولى كانت فترة انتقالية، وذلك قبل الشروع في المخطّط الرباعي الأول والثاني... وقد ختمت الفترة الانتقالية بمؤتمر بنزرت للحزب الذي تمّ سنة 1964... أما المخطط الرباعي الأول فقد بدأ سنة 1965 إلى آخر سنة 1968، والرباعي الثاني الذي توقف سنة 1969، كان من المفترض أن يبدأ سنة 1969 (وقد بقي لأشهر قليلة في 1969) وينتهي سنة 1972...». وهنا كشف «سي أحمد» بن صالح، أن «المخطط الثلاثي شهد تجربة أولى، تمثلت في تركيزنا ل15 وحدة إنتاجية، للتعاضدية بالكاف... وقد عرفت هذه التجربة (النواة) انخراط الأطراف التالية: الوزارة والحزب والمنظمات الوطنية فقد كان الجميع في المعمعة.. وقد شهدت تلك الفترة، مفاوضات بيني كوزير للتخطيط والمالية والمنجي سليم وزير الخارجية من جهة، وبين فرنسا من جهة أخرى حيث تمكنت تونس وفق تلك المفاوضات من استرجاع 150 ألف هكتار من الأراضي التي كانت على ملك الفرنسيين (الاستعماريين)... تمّ هذا قبل سنة 1964 حين وقع تأميم 400 ألف هكتار من الأراضي الفلاحية التونسية التي شهدت نفس المصير بفعل الاستعمار الفرنسي.. ولكن قبل التوغل في تجربة الآفاق العشرية، عرفت تونس أحداثا فيها الكثير من المعلومات وفيها الكثير من الغموض.. مثل حرب بنزرت، وتأميم الأراضي الفلاحية (أي ما يسمى بالجلاء الزراعي) وكذلك مؤتمرعدم الانحياز في يوغسلافيا، وزيارة عبد الناصر وبن بلا إلى تونس.. فإلى الحلقة القادمة، وفيها معلومات عن الظروف التي حفّت وربما دفعت بحرب بنزرت.