حوار وإعداد: فاطمة بن عبد الله الكرّاي في البداية، أردت التنويه بأن الاجتماع الذي ترأسه بورقيبة (الرئيس) في القبّة الرياضية بالمنزه وقال فيه كلمته مشددا على تعميم التعاضد، كانت سنة 1968 وليس بُعيد أو قبيل مؤتمر بنزرت الذي وقع سنة 1964، ونحن الآن بصدد تفاصيله... كان «سي أحمد» قد كلّفه الرئيس بورقيبة في إطار الاعداد لوثائق المؤتمر لكي يعدّ وثيقة فكرية ومنها اقترح ان يصبح الحزب الحرّ الدستوري بتسميته الجديدة: الحزب الاشتراكي الدستوري... ألقى «سي أحمد» كلمة طوال المؤتمر في اللجنة السياسية وكانت محلّ إعجاب كبار وشخصيات الحزب... لم تُسجّل كلمته التي كانت منهجية وفكرية ومرتجلة... وبكثير من التعفف سمح لي أن أخطّ هذه القصة بعد ان سمعتها من غيره من المشاركين من قبل، فواصل «سي احمد» الحديث: «حسب ما حكى لي الحبيب الشطّي الذي تناول الغداء مع بورقيبة بعد الجلسة التي أشرت اليها في الحلقة السابقة، وقد ألقيت فيها الكلمة التي لم تسجل، قال لي الشطّي إنه نوّه بالمداخلة (مداخلة بن صالح أمام اللجنة السياسية للمؤتمر)، وقال ما قال، على كل حال لا أريد أن أذكر ما قاله بالضبط من اعجاب بالكلمة، المهم ان بورقيبة طلب للتوّ عبد المجيد رزق الله الذي كان مقررا ليطلعه على فحوى المحاضرة او الكلمة التي ألقيتها... لكن رزق الله، بالكاد دوّن بعض الملاحظات لأنه يعوّل على التسجيل، ثم إن دوره يأتي كمقرر فيما بعد، بعد استنساخ الخطب والكلمات، ويكون هو مدوّنا لأهم الأفكار ويقارن ويقوم بتقريره... ارتبك رزق الله ولم يكن يصدّق أن كلمتي كانت مترجلة، حيث سألني: «أليست مكتوبة؟» قلت له: أبدا... لم أكتبها... كنت أدوّن بعض الملاحظات أو ربما الأفكار فقط... فأنا أكتب نقاطا معيّنة على ورق قليل جدا، أما المخاض فلا يسمع به أحد... كانت ستكون مكتوبة لو «قُدّر» لها وسُجّلت...ثم إني كما ذكرت لك من قبل، أنا لم أُلق محاضرة في حياتي وكانت مكتوبة... أبدا... وأذكر ان أحد المسؤولين الكبار في الحزب قال لي مرة: «يا أحمد، أنت الوحيد الذي يقول أولا ويواصل ثانيا... رغم أنك لا تكتب» فقلت له: أنا احترم التسلسل وكل شيء موجود في دماغي... فالكلام الذي أقوله أعيش به... مرّت الأمور، ولكن الجلسة الهامة في ذاك المؤتمر، مؤتمر بنزرت 1964 كانت الموافقة على قرارات الحزب وأولها «البيان المذهبي» الذي قدمته مكتوبا... في حين المحاضرة، التي تفسّر وتشرح النص المكتوب، لم تدوّن ولم تُسجّل»... سألت «سي أحمد» عن المرحلة الجديدة للحزب، وهل هي كذلك فعلا، فقال: «الطور الجديد والمهمة الجديدة للحزب، ورسالة الحزب الجديدة، كلها مجسدة في قضايا التنمية وتوازن المجتمع مع مواصلة الكفاح من أجل مغرب كبير... الحزب، بقي عشرات السنين رهن الخصومات والتنافس، بدون أساس مذهبي ولا تطور للافكار... إذ من أين أتت لجان فرحات حشاد «للدفاع عن الديمقراطية، والتمثيل الشعبي» ومن أين أتى برنامج الاتحاد، ولماذا، إذا لم يكن من فراغ عرفه الحزب... وهنا، أريد أن أعرّج على أمر، هو أن العديدين في الحزب، يتخيّلون أن الحزب هو بورقيبة»... قلت لصاحب المذكرات، وفي ذهني رواية أخرى عن مؤتمر بنزرت 1964، حول خصومات بين المؤتمرين، أو وجود أجنحة أو شيء من هذا القبيل، فقال: الذي أعرفه، أنني لم أحضر أي خصام... أو خصومة في المؤتمر»... والوثيقة المذهبية، ألم تثر انتقادات، من قبيل المسألة الديمقراطية مثلا؟ قال: «الجلسة العامة، التي تُليت أمامها الوثيقة المذهبية، صادقت مصادقة تامة عليها، مع تثمين المرحلة الاولى أي المخطط الانتقالي الذي دام ثلاث سنوات. فكما، ذكرت ذلك سابقا، تنقسم «الآفاق العشرية الى ثلاث مراحل، الاولى، وتدوم (دامت فعلا) ثلاث سنوات، وكنا ندرّب فيها أنفسنا، ثم إنه من أسباب أنها تسمّى بمرحلة المخطط الانتقالي الثلاثي (يدوم ثلاث سنوات)، هو أن حرب الجزائر مازالت قائمة، ولم نكن نتصوّر أن تواصل تونس برنامجها، والجزائر ليست محرّرة... وأحد الاركان الخمسة التي تضمّنتها الآفاق العشرية، هي تصفية الاستعمار»... فإلى حلقة قادمة ومزيد من المعلومات حول محطات في تاريخ تونس الحديث، نوردها على لسان الأستاذ أحمد بن صالح...