منذ اكتشاف باستور للبكتيريا المسببة لمرض الكلب وابتكاره السلاح لقتلها أصبح الطب يتهم البكتيريا والفيروسات بالتسبب في الأمراض ويعلن عليها الحرب. وقد تنبّه بعض العلماء الى أن هذه الحرب التي لا هوادة فيها تزيد من ضراوة البكتيريا. كان الفيروس المتسبب في مرض السيدا يعيش منذ زمن بعيد في غابات إفريقيا الاستوائية داخل القردة دون أن يمثل أي خطورة. ولكن لماذا أصبح هذا الفيروس شديد الخطورة والفتك عندما انتشر بين البشر؟ إن تداخل البيئات وحرب المضادات الحيوية على الجراثيم يجعلها تطور نفسها بشكل سريع. إن الحرب الدائرة بين الانسان والفيروسات حرب غير ناجعة وغير مفيدة للانسان والطبيعة. فخطورة الفيروسات هي نتاج التفاعل التطوري بين الميكروبات والبشر. وقدرة الميكروبات على المقاومة والتحول السريع وتطوير خصائصها بشكل مذهل نتج أساسا عن حالة الصراع التي فرضها الانسان الفخور بتحكمه في التكنولوجيا وإعداد الأمصال والمضادات الحيوية. ولكن قدرة الميكروبات على التأقلم مع الأوضاع الجديدة أقوى بكثير من نجاعة الأدوية. وإذا لم يكن لهذه الحروب من نهاية فإن الانسان سيكون عليه أن يركض بأقصى سرعة ليبقى في مكانه. ينبغي اليوم أن تتجه عناية الانسان الى توجيه التطور الميكروبي بعيدا عن الأمراض المعدية نحو علاقات مشتركة مفيدة. فبذلك فقط يمكن إعادة التوازن للطبيعة والعيش مع الفيروسات في سلام شامل. أنيس حمدي (أستاذ بجامعة القيروان)