في جراحة التجميل، لا شيء أكثر تعبيرا من الصور، صور «الخوارق» التي أنجزتها أيدي الجراحين التونسيين لإعادة الابتسامة لوجوه تشوهت خلقيا أو بالحرائق أو حوادث المرور أو الأورام عافاكم الله. غير أننا لم نقدر على نشر أغلب هذه الصور لما في بعضها من محتوى يصدم النفس، أو يكشف عن هويات الأشخاص الذين يرغبون في الاحتفاظ بأسرار حياتهم ولم كل الحق في ذلك. قبل ذلك كان لنا حديث مطول مع الأستاذ علي العدواني، رئيس قسم جراحة التجميل بمستشفى شارل نيكول بالعاصمة حول الجانب الديني والأخلاقي في المسألة. البعض يتحدث عن جراحة التجميل بصفتها اهتماما خاصا بالأثرياء والذين يدفعون أموالا طائلة للتشبه بالنجوم، أو «تغييرا لخلق الله». يقول الأستاذ العدواني بهدوء: «لقد تحدثت مع أعلى السلطات الدينية والفقهية في تونس حول هذا الأمر ولم نجد أي تحريم في هذا. لقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه باتخاذ أنف من الذهب لأن أنفه تلف وكان منظره مشوها. لقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم وأجمل صورة، لكن الحياة تحمل إليه أحداثا تشوه خلقه. وبما أن العلم قد تطور، فقد أصبح بإمكان العلماء إصلاح ما فسد ليستعيد الإنسان منظره البشري حتى لا يتفاداه الناس». وفي مكتب الأستاذ العدواني كان لنا لقاء مع إحدى مريضاته، وهي تستعد للخضوع لجراحة البطن وهو ما دفعنا إلى الحديث عن نوعية العمليات التي يقوم بها الأطباء التونسيون في هذا المجال. من التشوهات إلى التجميل يوضح الأستاذ العدواني أن هذا الصنف من العمليات ينقسم إلى نوعين، الأول والأهم هي عمليات «الترميم» التي يتم إجراؤها للإنسان الذي تعرض لحرق أو حادث مرور أو ورم تطلب نزع جزء من جسده وخصوصا الوجه. والنوع الثاني هي عمليات التجميل مثل شفط الدهون والتخفيض من حجم البطن، تكبير أو تصغير الثديين، تغيير شكل الأنف، العينان وزرع الشعر. ورغم الطلب على النوع الثاني من العمليات، فإن أطباء الصحة العمومية يمنحون الأولوية المطلقة للنوع الأول، أي لضحايا التشوهات سواء الخلقية أو الناتجة عن الحوادث المختلفة. أما عمليات التجميل فهي تتم أساسا لأسباب عملية وأكاديمية حيث أن عشرات الأطباء المقيمين يتلقون تكوينا عمليا في المستشفيات العمومية عبر هذه العمليات وهو ما يمد قطاع الصحة في البلاد بالجراحين الذين أصبحوا قادرين على إنجاز أكثر عمليات الترميم تعقدا بدل اللجوء إلى الخارج. وإذا كان توجيه ضحايا الحروق والحوادث أو الأورام إلى قسم جراحة التجميل يتم بطريقة عادية، فإن الراغبين في الخضوع لعمليات التجميل مثل شفط الدهون وغيرها يستطيعون التقدم مباشرة إلى القسم أو عبر توجيه خاص من طبيبهم. غير أننا نعطي اهتماما كبيرا للجانب النفسي للمريض قبل العملية، وفي عمليات التجميل، كثيرا ما أقنع بعض من يأتون إلي بعدم جدوى ذلك إذا لم أكن مقتنعا بالعملية. «ليست لنا غايات مالية في هذه الأقسام، فالمريض يدفع الثمن الرمزي العادي كما في أي قسم طبي آخر» يقول لنا الأستاذ العدواني ثم يضيف: «أرجو أن تكتب أيضا أن عملنا هنا جماعي، وأني أشدد على الشكر إلى الأساتذة والأطباء المساعدين والمقيمين في هذا القسم والفريق شبه الطبي». فم الأرنب يتحدث الأستاذ العدواني كثيرا عن الجانب النفسي لمرضاه، يقول: «أحب كثيرا تلك اللحظة التي أرى فيها المريض وقد استعاد توازنه النفسي وعاد سعيدا بعد أن شفي من تشويه فظيع. يحدثنا عن امرأة جزائرية كادت تطلق من زوجها بسبب تشوه في الوجه إثر انتزاع ورم من فكها الأيمن. خضعت لعملية أولى خلفت لها اعوجاجا واضحا وتشوها آخر في ملامح وجهها بعد أن كانت ذات جمال كبير. كانت تستعد للسفر إلى فرنسا حيث ستتكلف لها العملية قرابة أربعين ألف دينار. خضعت في قسم الجراحة لعملية تجميل لانتزاع عظم من ساقها وزرعه بعروق الدم التي فيه في فكها أعادت لها تناسق وجمال وجهها حتى أنها أرسلت صورها من الجزائر تعبيرا عن امتنانها. غير أن أكثر العمليات التي يجريها هذا القسم تخص التشوهات الخلقية للأطفال والمعروفة باسم «فم الأرنب» حيث يولد الطفل بشفة مقسومة. يفاجئنا الأستاذ العدواني بإحصائيات تفيد أن هذا التشوه الذي لا يفهم العلماء أسبابه يصيب واحدا من كل ألف مولود. حوالي 250 حالة يتم علاجها في المستشفيات العمومية التونسية سنويا. يرينا صورا تعتصر القلب لعدد من الأطفال الذين يعانون من هذه العاهة، ثم نسعد برؤية صورهم بعد ذلك وقد استعادوا ملامحهم البشرية. لقد أنقذتهم الجراحة من مصير نفسي واجتماعي سيء. يحتفظ القسم بصور عديدة لمرضى عانوا من تشوهات حادة خلقية أو بسبب الحرائق والحوادث وانتزاع الأورام وأغلب هذه الصور غير قابلة للنشر لما تحدثه من صدمة لدى من يشاهدها. يقول لنا: «تخيل الحالة النفسية لهؤلاء دون جراحة، العزلة والعذاب الذي يعيشون فيه ورفض الناس لهم». يعيدنا ذلك إلى جراحة التجميل، وما يقال عن بحث البعض وخصوصا النساء عن «تغيير الخلقة» تشبها بنجوم القنوات التلفزية وغيرهم. شفط الدهون يقول الاستاذ العدواني: «لا يمكن أن نحاكم الناس على نواياهم، لدينا حالات طبية، نراها ونفحصها بصفتنا أطباء. شد الوجه عندنا نادر، غير أنه يكون من حق المرأة التي تعاني من ترهل في وجهها أو تضخم بعض أعضائه بطريقة منفرة أن تحسن ذلك لتفادي النظرات النافرة. أكثر جراحات التجميل التي نقوم بها هنا تخص حجم الثديين». يرينا صورا لامرأة كانت تعاني من تضخم وترهل الثديين حتى سببا لها ألما مستمرا في عمودها الفقري، «تخيل امرأة تحمل في عنقها أكثر من 9 كلغ، حتى أنها تمشي بطريقة معوجة، خضعت لعملية فقدت فيها حوالي 4 كغ من اللحم الزائد فعادت تمشي بطريقة مستقيمة». أما شفط الدهون فهو ضروري أحيانا حتى من الناحية الصحية. غير أن الأستاذ العدواني يحب أن يوضح: «شفط الدهون ليست النحافة التي لها أطباؤها ومختصوها، والمريض بالسمنة يتوجه إلى طبيب متخصص لإنقاص وزنه، أما في جراحة التجميل فنحن نخفف من كمية الشحوم في الجسم، ولا يمكن أن نتجاوز في كل الحالات 7 بالمائة من وزن الجسم أو لنقل 10 لترات من الشحم، لأن ذلك يسبب اختلالا في الدورة الدموية». وفي مكتب الأستاذ العدواني كانت سيدة في الأربعين، أم لطفلين بلغ أكبرهما 19 عاما تستعد للخضوع لجراحة تجميل ثانية للتخفيف في حجم بطنها. قالت لنا: «خضعت في السابق لعملية تصغير في الثديين، والآن أنتظر العملية الثانية، إن زوجي هو أكثر من يشجعني على هذا، لاقتناعه بأهميته من الناحية الصحية والنفسية».