مثل جحور الحشرات التي تنشر السّم وتنطق بالفحيح، تحوّلت مواقع كثيرة في الأنترنيت إلى وسائل رخيصة للدّس والإشاعة وهتك أعراض الناس، ولقد تحوّلت هذه الوسيلة التي استنبطتها أرقى العقول البشرية متوجة بذلك مسارا علميا طويلا، إلى فضاء للجهل ومرتعا للأكاذيب، تغذّي المبحر بما يضرّ، وتحقن المجتمع بما يعود به إلى الوراء. وعندما بلغني أن الأمين العام للتجمع الدستوري الديمقراطي سوف يشرف على ندوة وطنية للغرض، أثارت المعلومة فيّ شخصيا كلّ الانتباه، خصوصا أن مقاصد الرّجل من إثارة مثل هذه المواضيع تتجاوز الدفاع عن السلطة والنظام لتصل إلى حماية المجتمع، فلا فصل بينهما ولا فروقات، بل إن حماية المجتمع هي المسؤولية الأولى للنظام والدولة، فإذا تمّت حمايته تمّت بالنتيجة حمايتهما. وأعتقد أن جميع العناصر التي تناولها الأمين العام في هذه الندوة لجديرة بالتناول والدرس والتمحيص، لما تحتويه من وعي بالظاهرة وانتباه لها، ومن تفاعل معها يعكس حسّا متطوّرا بخطورتها، بما أنها على علاقة مباشرة بالرأي العام أيضا، وبأهميتها بما أنها يمكن أن تفيد وأن توجه الوجهة الصحيحة النافعة. وقد أكد في مداخلته على أهمية وجود تيار وطني قوي بشبكة الأنترنيت يوفّر الحصانة اللازمة لصيانة استقرار بلادنا، وحماية انجازاتها، ومنع كلّ محاولات اختراق الحياة السياسية وخصوصياتها الثقافية المعتدلة والمنفتحة، مشددا على أهمية الحضور النوعي والدائم في كل المواقع والفضاءات المتصلة بخدمة الوطن وبالذود عن مناعته وعزّته، وما يتطلبه من متابعة آفاق التقنيات الحديثة القائمة والاستفادة من تطوراتها ومستجداتها الحاصلة. كما بيّن الأمين العام أن تواصل التطور السياسي والديمقراطي للمجتمع التونسي سيعطي التقنيات الحديثة للتواصل أدوارا طلائعية خاصة مع دخول الشرائح الشبابية الصاعدة معترك الحياة الحزبية، الشيء الذي يجعل من الاندماج في منظومة تكنولوجيات الاتصال مسألة حيوية تنمو بالانجاز اليومي الدؤوب وبالتقييم المنهجي المستمرّ. وأعتقد مخلصا أنه كان صائبا جدا، عندما قال بأهمية كسب معركة المحتوى على شبكة الانترنيت لحماية شباب تونس من الاختراقات السلبية التي تستهدف شباب العالم بلا استثناء. وأنه أسّس لمصطلح جديد أعطى للمعركة اليومية التي تشهدها الأنترنيت بين النور والظلام والعلم والجهل والأخلاق والتسيّب، بعدا جديدا يمكن الانطلاق منه لتأسيس خطة مواجهة عملية تتصدى لزحف طفيليات الأنترنيت، وتعوضها بغرس ثمار دانية وحصاد نافع وناجع. إن كلام الأمين العام، باعث للطمأنينة، مرسل للراحة، ولكم نتمنى أن تكون كلّ المعارك في تونس، معارك محتوى. ففي هذا المصطلح دلالة على التحضّر، ورقيّ السّلوك، وتمدّن الفعل، وان تونس لجديرة أن تكون فضاء لهذه الأمنية.