بقلم الكاتب الحقوقي الأستاذ البشير سعيد نحن اليوم في عالم متصدّع البناء، فيه انقلبت الموازين وأفلت القيم وغابت فيه المصلحة الجماعية لتحل محلها مصالح قوى رأس المال ومالكي وسائل الاتصال الحديثة في هذه القرية الالكترونية التي غزت فيها التكنولوجيا كل مجال.. مات الوازع الجماعي.. حتى أصبح الانسان الأحوج على الاطلاق لإعادة الاعتبار للقيم الانسانية النبيلة، وكل محرّك للضمير الجماعي من أجل ان يكون الانسان في خدمة الانسان لأننا في عصر التكنولوجيات الحديثة، عصر صاغ فيه الانسان كوجيتو جديد لم يصغه ديكارت بل صنعه الانسان بأنانيته وحبه لذاته، كوجيتو قوامه «حيث مصلحتي أكون». في هذا الزمن الصعب تنكب تونس على العمل ومضاعفة الجهد لصنع المستقبل واستشراف غد أفضل توقا «لأرفع الآفاق». وفي هذا الزمن المتقلب أتى التحوّل الدستوري الديمقراطي في تونس ثماره فكان الرئيس زين العابدين بن علي «عقلا في زمن العاصفة»، أعاد الاعتبار لدولة القانون والمؤسسات وأطلق الحريات بما يتلاءم والخصوصية التونسية القائمة على الاعتدال والتسامح والإيمان بقدرة الانسان على رفع التحديات، فكان الميثاق الوطني وميثاق الشباب عقدا اجتماعيا يؤسس لمجتمع ديمقراطي تعددي يرنو الى الحرية وتحقيق الأمن الاجتماعي الذي به يتحقق رغد العيش لكافة فئات المجتمع، وأسس الرئيس زين العابدين بن علي بفضل نظرته الاستشرافية الثاقبة الى ثقافة حق الاختلاف من اجل تونس بعيدا عن العشوائية والتطرف والتطاول على مؤسسات الدولة ذات السيادة، وأعاد الاعتبار للمنظمات والجمعيات والأحزاب السياسية بما يكفل التعايش بين مختلف المشارب والأذواق من اجل تونس. عملت تونس العهد الجديد على الاحاطة بكل التونسيات والتونسيين في الداخل والخارج من اجل مجتمع سليم من كل الآفات تشارك فيه المرأة الرجل في صنع الحياة او قل صنع مجتمع لكل الأجيال والأعمار فكان الاهتمام بذوي الحاجيات الخصوصية مضاعفا حتى لا يهمّش منعدم وسيلة ولا يقهر معوز، انه القطع مع ثقافة الاستجداء وطلب الرغيف التي أفلت بدحر المستعمر البغيض. تعمل تونس اليوم على مضاعفة الجهد من أجل الانسان طلبا لتنمية شاملة لكل فيها حظ من اجل حياة أنجع ليبقى الحق في التعليم والصحة والبيئة السليمة والمسكن اللائق من الثوابت. حقوق لصيقة بذات الفرد لا تقل أهمية عن حرية التعبير وصدق الكلمة او قل الحرية في مفهومها الشامل باعتبار ان الحرية في تشريعات التغيير مبدأ لا يدخل عليه قيد. إننا في عالم متحرك يدّعي فيه الكثيرون امتلاك الحقيقة وخاصة أولئك الذين يحلمون باستعادة مواقع احتلوها بالقوة زمن الاستعمار المدحور، الاستعمار الذي بشرّت به قوى الاحتلال تحت غطاء تصدير الحرية والديمقراطية. والحاصل ان أذاق الفرنسيون آباءنا وأجدادنا الويلات: نهبوا ثرواتنا بالأمس واستحيوا أعراضنا وحاولوا طمس هويتنا بالترغيب في التجنيس (أي اكتساب الجنسية الفرنسية) فلم يفلحوا لان آباءنا «خلقوا من الحديد أشد صلبا» قوتهم في إيمانهم وصبرهم وجهادهم، استماتوا دفاعا عن تونس حتى ردوا المستعمر المغتصب خائبا. ولكن ما يلفت الانتباه حقا ان رهوطا هم أحفاد من أذاق آباءنا وأجدادنا أصناف العذاب تحت وطأة الاستعمار لازالوا يحلمون بالعودة إلينا لاستعمارنا من جديد تحت نفس الغطاء وذات الزعم: التبشير بنشر قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان وغيرها من الشعارات الرنانة.. وينسون وهم من هم في «طغيانهم يعمهون» ان دستور الجمهورية التونسية الذي نقح 16 مرّة من أهم الدساتير التي ثبتت القيم الكونية تثبيتا خاصة بعد التحوّل الدستوري الديمقراطي في تونس (7 نوفمبر 1987). فقيم التآزر والتضامن التي ثبّتها دستور البلاد في الفصل 5 لا مثيل لها في الدساتير الاوروبية او قل بالجزم المطلوب في دساتير العالم. وينسى أبناء «قراظ الخيل» ان الصندوق الوطني للتضامن مصدره مقترح نبيل تقدّم به الرئيس التونسي زين العابدين بن علي رمز الفعل والإنجاز والاصلاح. ينسى هؤلاء الرهوط ان تونس التغيير هي الأحرص إطلاقا على تأمين مزيدا من الحظوظ للمعارضة في البرلمان بقطع النظر عن نتائج الانتخابات لأنه لا يخفى على نزيه عراقة التجمع الدستوري الديمقراطي وانفتاحه على كل فئات المجتمع وتجدد خطابه بما يكفل له الريادة على الساحة السياسية ليبقى على الدوام حزب الأغلبية والدينامية مؤهل الى ان ترجح له الكفة في الانتخابات. وينسون أيضا ان تغيير السابع من نوفمبر تغيير من اجل الانسان من أجل ان يكون الجميع في خدمة تونس وأن تكون تونس وطن للجميع وذلك بالقطع مع الكراهية والتطرف والتعصّب والتشريع لحق الاختلاف لتكون المنظمات والجمعيات والهياكل الاستشارية قبلة المعارضة الوطنية. وينسون بسوء نيّة غير مسبوقة ان لا أحد فوق القانون وأن حرية الانسان تقف عندما تبدأ حرية الآخرين ليجندوا أذيالهم طمعا في استعمار جديد بشكل جديد، فنرى بعض العواصم الأوروبية تخرج أذنابا لتعطينا دروسا في حقوق الانسان والحريات الأساسية وكأنهم لا يعرفون أننا أبناء تونس مهد الحضارة وقبلة الأعلام وأهل الفن والإبداع.. تونس رمز الانفتاح والاعتدال وإحترام الرأي المخالف. لهؤلاء نجزم بأننا لا ننتظر من من احتلّنا بالأمس ونهب ثرواتنا وخيراتنا ظلما وبهتانا سوى اعتذارا رسميا على حقبة الاستعمار الغاشم وما تبعها من قهر واحتقار للشعب التونسي الذي لم يعرف رضوخا واستسلاما لقوى الشر، وتعويضا ماديا على ما لحق مختلف فئات الشعب من أضرار جسيمة على المستوى النفسي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي، ولمن أراد ان يتأمل في منزلة حقوق الانسان في منظومة التغيير يكفيه ان يتأمل تأمل النزيه في خطاب رئيس الجمهورية يوم 12 نوفمبر 2009، يوم أدى سيادته اليمين الدستورية إثر فوزه بإجماع شعبي منقطع النظير في انتخابات شهد بنزاهتها شرفاء العالم.