من لا يعرف أن عيد شمّ النسيم بمصر الفن هو العيد الذي يبدأ مع إطلالة فصل الربيع الذي به أشرقت شمس أغنية الربيع الذي نظمها مأمون الشناوي ولحنها الموسيقار الكبير فريد الأطرش الذي سمعنا ألحانه في همس الفراشات للزهور والذي كان يأتينا صوته مغرّدا مع البلابل تسابق الريح الساكنة لتشدو بأحلى أغنيات الحب والغرام على أغصان الورود. حكاية غرام لفنان كان أميرا في الشام لكنه أدمن الفن حتى الثمالة... عانق الموسيقى والألحان فخرجت من أحضانها أجمل وأرق الأغاني تهدهد آهات المحبين والعشاق، موسيقاه تنفرد بهذا الشجن الذي يمسّ القلوب والوجدان وتأخذنا الى عالم مسحور من الصفاء والفن الأصيل حتى سكن في قلوب الملايين في كافة الدول العربية وحتى الأوروبية، وكان من أبرز العلامات في تاريخ الموسيقى العربية صوتا وألحانا وله تسجيلات نادرة والتي لم يسمعها أحد من قبل. فحدّثني مرة سائق سيارة وأنا في طريقي الى نزل «الشيراطون» (قائلا: في عيد شمّ النسيم كانت القاهرة ترقص مع فريد وهو يحيي لياليه). كان رحمه الله علامة بارزة جدّا بالنسبة لكل الفنانين الذين غنّوا بهذا العيد، كان مثيرا للدهشة لمّا يظهر على المسرح تعلو الأصوات باسمه كما يعلو التصفيق بدون انقطاع هذا لم يحدث لأي فنان آخر. فريد الأطرش كان مدرسة بدون تلاميذ كما ذكر الموسيقار حلمي بكر، كان يصعب عن أي كان تقليد صوته الذي كان يتمتّع بكل الصفات الفنية اللازمة للنجاح، صوته واسع المسافات جدّا ومتعدّد النغمات وكان القرار والجواب فيه ممتازان للغاية بحيث يستطيع في النهاية أن يحرّك مشاعر الناس بغير حدود وكان مدرسة لم يتخرج منها أحد الا مؤسسها وناظرها فريد الأطرش، العديد قد ردّد أغانيه بالأذن وليس بالصوت ومن استطاع أن يقلّده صوتا كان مثارا للسخرية لأنه لا يوجد الا فريد الأطرش واحد... وفي يوم 26 ديسمبر 1974 بمصحة الحايك بلبنان قد صلى صلاة المغرب ثم بدأ يستمع الى رائعته من راديو الأردن (أول همسة) وفي الأثناء صعدت روحه الى خالقها وهو ممدّد على فراشه... رحم الله فريد.