رحل فريد الأطرش منذ سبع وثلاثين سنة.. ومازالت ألحانه تكتب الحياة في أجل وأبهى مظاهرها ومازالت تقاسيم آلة العود تعزف على أوتار القلوب حبّا وصفاء... وبهجة وعشقا لمعاني الجمال في الوجود. .. أحببنا في فريد الأطرش هذا الشجن في موسيقاه... وفي آهات صوته... وفي مضامين أغانيه التي وهبها مهجته وعشقه لكل ما هو ايجابي في الحياة. .. انتصر فريد الأطرش على آلامه وأحزانه بالموسيقى... فكتب لجمهوره قصة طويلة من البحث عن الرومانسية والأحاسيس المرهفة والتوق الى الأفق الرحب.. غنى فريد الأطرش للإنسان في كل حالاته.. العاشق الولهان... المظلوم والمجروح... الطموح والمبدع.. المتصفح اليوم للمدوّنة الغنائية العربية يقف حتما عند رصيد موسيقي متنوع وثري بالابداعات الفنية التي صاغها بصدق وصفاء وإنصهار وجداني كامل فيها. كل أغنية من أغاني فريد الأطرش حكاية من واقع الحياة بكل تناقضاتها... ومفارقاتها... وفي كل قصيد يغنيه بحث عن الحب.. وغوص في الذات بحثا عن الأمن والطمأنينة.. غنى فريد الاطرش القصيد فأطرب: عش أنت... أضنيتني بالهجر ... عدت يا يوم مولدي.... أوفى حبيب. وشدا بالأغاني الخفيفة فكانت النشوة الفنية: تأمر ع الراس والعين، يا بو ضحكة جنان، يا بنت بلدي،،، اشتقتلك... يا حبايبي يا غايبين.. مثّل في السينما الحبّ في مختلف مظاهره وكانت أمنيته أن يمثّل مع جيل الفنانين الشبان في فترة السبعينات: نجلاء فتحي ميرفت أمين، سهير رمزي... سعاد حسني... نادية الجندي... شمس البارودي.. نجمات سطعن على الساحة في تلك السنوات... كانت أمنية لم تتحقق الا في عمل وحيد هو فيلم «نغم في حياتي» للمخرج بركات حيث كان اللقاء مع الثنائي حسين فهمي وميرفت أمين.. «نغم في حياتي» مثّل المحطة النهائية لمسيرة فريد الاطرش مع السينما على اعتبار انه كان آخر أفلام هذا الهرم الغنائي الكبير... وكان «نغم في حياتي» في المقابل نقطة البداية لحياة زوجية لحسين فهمي وميرفت أمين.. رحل فريد الأطرش منذ سبع وثلاثين سنة وفي القلب أمنية لم تتحقق.. أمنية اجتهد في كسبها... وهي ان تغني أم كلثوم أحد ألحانه... قدم لها قصيد «وردة من دمنا» غير ان أم كلثوم اعتذرت عن ذلك بحجة ان القصيد وطني لا يقدّم الا في المناسبات الوطنية وهي تريد أغنية عاطفية صالحة لكل زمان.. تسلّح فريد الأطرش بالعزم فكان تلحينه لأغنية (زمان يا حب) غير أن القدر لم يمهله لاتمام اللحن الذي عمل بليغ حمدي على إكماله... ليقدمه الى أم كلثوم... الا ان القدر لم يمهلها لتحقيق أمنية فريد الأطرش فكان أن آلت هذه الأغنية الى وردة الجزائرية شأنها في ذلك شأن أغنية (أوقاتي بتحلو) التي أعدها سيد مكاوي خصيصا لأم كلثوم ... هذه الأخيرة سعدت بها لكن لم يكتب لها أن تسجلها بصوتها. هذا البعض من مسيرة هرم فني عربي خالد نستحضرها في الذكرى السابعة والثلاثين لرحيله التي تم غدا... ذكرى مليئة بالذكريات والألحان الخالدة.