يبدو أن منطقة الشرق الأوسط تتجه شيئا فشيئا الى مواجهة جديدة بتصاعد لهجة التهديد والوعيد بين ايرانوالولاياتالمتحدة التي استعادت بعد حربين منهكتين في العراق وافغانستان حلفاءها الأوروبيين الى جبهة قسمتها حرب العراق ... وبالرغم من أن هذه الأزمة مستمرة منذ أكثر من 6 أعوام تراوحت فيها العلاقة بين المد والجزر .. وتراوحت فيها الخيارات بين «العصا» والجزرة فانه لا يلوح في الأفق ما يشي باحتمال تراجع هذا الطرف او ذاك بل على العكس يبدو الطرفان مصممين على المضي في التشدد والعناد ... فقد ظلت القضية النووية الإيرانية في مأزق .. ويتوقع المراقبون أنها ستبقى كذلك ربما لسنين اخرى لكن لا أحد يتوقع ان تتراجع ايران عن موقفها .. كما لا أحد يتوقع ان تكتفي واشنطن بالتلويح بمعاقبة ايران .. فواشنطن لا تضمن التزام الكثير من الدول بهذه العقوبات خاصة في ضوء فشل مجلس الأمن حتى اللحظة في فرض منطق الديبلوماسية والحوار بين اطراف الأزمة ونجد ان لغة الحرب مازالت تهيمن على الخطابين الأمريكي والاسرائيلي اللذين يفرضان نفسيهما بقوة على اي منطق آخر .. وبغض النظر عن نتائج السجالات السياسية التي قد تفضي الى قرار ما ضد ايران فان الواقع الذي خلقته المواجهة مع ايران والغرب أثار المخاوف ودق ناقوس الخطر من احتمال ان تشهد المنطقة حربا جديدة مع ما فتئت تتداول على رسم سيناريوهاتها الخطط العسكرية الأمريكية والإسرائيلية والإيرانية على حد سواء .. وتظهر قراءة مؤشرات الأزمة طيلة أعوامها الأخيرة حتمية الوصول الى مثل هذا الواقع الراهن من الممانعة والاستقطاب وما يمكن ان تؤول اليه الأوضاع مستقبلا خصوصا في ظل انتقال الدور الأوروبي من «راع» للمفاوضات مع الايرانيين الى مجرد «اطفائي» يسعى الى التهدئة بين الطرفين دون ان يملك القدرة على تحقيق اي اختراق جدّي في العلاقة بينهما .. ويمكن القول ان طبيعة الأزمة طرأت عليها جملة من المتغيرات خلال السنوات القليلة الماضية مما أفضى الى مزيد تصعيدها وتعقيدها ودخولها في نفق أزمة دولية توشك على الانفجار في أية لحظة وفي مقدمة هذه المتغيرات نذكر اثنين كانا حاسمين في الوصول الى مثل هذه الطريق المسدودة .. المتغير الأول هو دخول الولاياتالمتحدة بقوة على الخط وتحولها الى طرف أساسي في ادارة الصراع مع ايران بدلا من ادارته بالوكالة عبر «الترويكا» الأوروبية .. وهذا ما نقل الخلاف حول البرنامج النووي الايراني من مجرد هواجس وتخمينات بشأن استخداماته الممكنة الى محاسبة «النوايا» الايرانية على مخرجاته ورفض اي محاولة لتخصيب اليورانيوم ولو للأغراض السلمية.. أما المتغير الثاني فهو صعود التيار المحافظ في ايران الى الحكم وفوزه بولاية ثانية وهو الذي ظل يتحين الفرصة للإمساك بخيوط الملف النووي الايراني لقناعة في نفسه أن هذه الورقة هي الوحيدة القادرة على تقوية النفوذ الايراني وتحقيق مكاسب اضافية في ملفات اخرى .. فمن الناحية العملية يعتقد الايرانيون أن حسم المسائل في الشرق الأوسط يستحيل أن يكون في غيابهم كلاعب اقليمي مهم لا يمكن اسقاطه من حسابات الحاضر والمستقبل بالنظر الى الوجود الأمريكي المكثف في المنطقة وامتلاك اسرائيل للسلاح النووي وسياساتها العدوانية .. وهذه كلها عوامل يرى فيها الايرانيون مبررا للتمسك ببرنامجهم النووي لاعادة التوازن الى المنطقة ورسم خريطة جديدة لها بشكل يساهم في تغيير هذه المعادلة الدولية. وفي الطرف المقابل فان الولاياتالمتحدة تنظر الى ايران على انها تهديد مباشر لنفوذها في الشرق الأوسط وفي منطقة الخليج التي ترفض (واشنطن) اقتسامها على اثنين .. هذا طبعا بالاضافة الى أن المسألة برمتها على ارتباط مباشر بأمن اسرائيل الذي قال عنه الرئيس الأمريكي باراك أوباما انه غير قابل للنقاش أصلا .. فالولاياتالمتحدة كما هو واضح تضع المصلحة الاسرائيلية في مقدمة اهدافها .. والدفع في الموضوع النووي الايراني يتم بتحريك من الاصابع الاسرائيلية بشكل رئيسي الا ان الظروف التي تتم فيها اثارة هذا الملف والتعاطي معه تشهد فشلا ذريعا للأمريكان في العراق وأفغانستان ..ومن هنا بالضبط كان أحد أوجه صلابة موقف ايران وتصميمها على المضي قدما في برنامجها النووي .. لكن السؤال اليوم هل أن مثل هذه السياسة الايرانية القائمة .. كفيلة بأن تبعد عن طهران ضربة عسكرية ترجّح معظم المؤشرات والسيناريوهات انها قادمة؟