حوار وإعداد : فاطمة بن عبد الله الكراي قطع رئيس الوفد الذي جاء عن البنك الدولي، ليدرس مع الخبراء والمسؤولين التونسيين سبل إسداء قرض لتونس لتكمل مشروعا كهربائيا بعنوان «حلق الوادي 2» زيارته الى تونس، ليعود الى واشطن، ولما سأله «سي أحمد» عن سبب قطع الزيارة اجابه رئيس الوفد وبشكل شخصي غير رسمي بأنه على الأغلب يتعلق الأمر، بتأميم شركات الكهرباء في تونس.. كان ذلك بداية الستينات اذ يواصل «سي أحمد» قوله: «فكرت ان اتجه الى الكويت، وقد كنت كما ذكرت آنفا، أعرف وزير المالية الشيخ جابر الأحمد الصباح الذي أصبح أمير البلاد فيما بعد.. خاطبت سفير الكويت بتونس، وقلت له: بودي ان يدعوني الأخ جابر الأحمد الى الكويت في مدة وجيزة.. وتم الأمر في ظرف عشرة أيام... استقبلوني في الكويت، وكان قد بدأ عندهم صندوق التنمية العربية، الذي تأسس للتوّ... كنت أعرف وزير المالية الكويتي إذن، قبل ذاك التاريخ، كنا نلتقي في اجتماعات البنك الدولي.. التقيت بالوزير، وكان الشاب عبد اللطيف الحمد هو من تولى أمر القرض لتونس، وكان له دور في انجاز وإتمام عملية اسناد القرض، فقد تحمّس للفكرة، وللتوجه أتممنا الموضوع في أقل من اسبوع وتوكلنا على الله في مشروع «حلق الوادي 2».. كانت أمامنا جبهات متعددة، بداية الستينات من الأراضي المسترجعة الى شركة الكهرباء مرورا بالفضاءات التي تركها الجيش الفرنسي بعد الجلاء عن بنزرت... فقد ترك الجيش الفرنسي مثلا فضاءات كبيرة ومهيأة في بنزرت ومنزل بورقيبة وقد استفدنا منها..». سألت: ماذا تعني بالجبهات المتعددة التي كانت مفتوحة أمامكم؟ قال: «أقصد انه كان مطلوب منا أن تكون في نفس الوقت في كل مكان.. فكان العمل والورشات المتعددة التي فتحت في كل مكان.. وهنا أذكر ان أصعب ورشة أو جبهة كانت أمامنا، هي السياحة... فقد كانت صعبة جدا... والملف دقيق وغير يسير..». قلت: كيف ذلك؟ ردّ «سي أحمد» بسرعة العارف لمجريات وتفاصيل الأمور: السياحة تحتاج كما نعلم الى تمويل... والمموّلون كانوا قلّة قليلة... كان هناك ثلاثة من أبناء القيروان على رأسهم الشاذلي الفراتي.. والذي بدأ حقيقة مسار السياحة وبحكم صلتي وصداقتي به هو وأحمد نور الدين الذي كان رئيس بلدية سوسة وكنت ألاحقه لفتح سوسة للسياحة. والحقيقة كان أحمد نور الدين صديقي مقتنعا بالموضوع، لكن حذره مرده التمويل.. أذكر ان نادي (حلقة) الضباط Cercle des officiers في سوسة كان قد تركه الفرنسيون بعد الجلاء، فكانت الخطوط الاولى من بلدية سوسة ومن «سي أحمد» نورالدين، قبل الكثير من الخواص.. واغتنم الفرصة وجعل من ذاك النادي (نادي الضباط الفرنسيين) اول نزل في سوسة..». قلت: لماذا لم تتجه الى بعض أصحاب المال من التونسيين حتى على تواضع امكانياتهم، يمكن ان يتشاركوا مثلا في بناء نزل؟ فقال مبتسما: «كنت، عندما أخاطب أحد الأثرياء في سوسة، حتى يقدموا على الاستثمار في القطاع السياحي، يقولون لي: كيف يا «سي أحمد» نبيع الكحول وغيره.. من المحرّمات في الدين.. من جهة أخرى كان التململ يسكن الحكومة، فقد كانت تكاليف بناء نزل واحد، مزعجة، تصل الى 85٪ من التكاليف بالعملة الأجنبية و15٪ تونسية، اي عُملة وطنية. فقد كان وزن التكاليف هو سبب التململ، لأنه سيكون على حساب إمكانيات البلاد من العملة الأجنبية..». سألته عن الهادي نويرة، الذي كان محافظ البنك المركزي، وقد أبدى مساندة من قبل، لبرامج يقترحها الأستاذ احمد بن صالح، وماذا كان موقفه من الملف، قال: «الاحتراز الذي أبداه نويرة لم يكن مبدئيا في مجال السياحة.. هو متردد وأنا معه في أسباب التردد.. لأن في الأمر عملية استنزاف... ولكن..». سنرى ان شاء الله في الحلقة القادمة: ماذا بعد هذا الاستدراك...